قال تعالى {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
بعد ذكر خلق الإنسان العامل الأول المؤثر في هذا الخلق والأحدوثة العجيبة التي تصنع الكون بتجدد وألق عصري حضاري متوال يأتي دور المشرق والمغرب؛ يعني الكون باتساعه ليقول الله من خلاله خلقتك أيها الإنسان لهذا الكون وخلقت هذا الكون لك. فالمشرقان والمغربان هما مشرقا الشمس والقمر ومغرباهما في الشتاء والصيف فيا لعجيب صنع الله حركة الشمس لها تأثير حتى في مزاج الإنسان ونفسيته وأبراجه فيما يتعلق بالأجرام السماوية وهذا ما قصدت الآيات من انعكاس حركة الكون وتأثيره في الإنسان والجان المسبوقين بالذكر.
فكما أن الله ينظم ويرعى هذا الكون بكل دقة دون أي خطأ في حركته كل سنة شتاءه وصيفه وهو ربه ومليكه فكيف لا يرعاك أيها الإنسان، يريد أن يخلص الله من خلال قوله رب المشرقين والمغربين أن الرب هذا هو لا إله إلا هو ربك بعبادته تصون نفسك من العلة والمرض والسقم والتأرجح والتخبط وتنتظم صحتك الجسدية والنفسية ومعيشتك بتوجهك لهذا الرب المنظم لقصة دوران الشمس في هذا الكون الفسيح في صيفه وشتائه.
مرج البحرين يلتقيان ما أعظم هذه الآية وما أشدها تحييرا للعلماء والباحثين يقول الله وليس فوق قوله قول إنه مرجهما وجمعهما دون أن يلتقيان كيف ذلك؟ سبحانك ربي ماء حلو ومالح يصب في بعضه بحاجز إلهي من قدرته العجيبه تمنع الاختلاط والامتزاج بتكوين المائين أو البحرين. والمقصود بالبرزخ قد يكون الحاجز بين البحرين (الأنهار والبحار) من الأراضي الواسعة التي تفصل الأنهار عن البحار، بحيث لا تختلط المياه فيهما، بل لكل منهما مجراه ومستقره الذي يستقل به عن الآخر.
وهذا هو التفسير الظاهري الذي وجدناه عند أكثر المفسرين. وقد يكون ماء عذبه في قاع البحر كالينابيع الصالحة للشرب كالتي وجدت في الخليج العربي. ومن باب التدبر الاجتماعي في الآية نحن في تواصلنا مع بعضنا من الجميل أن نلتقي ماء حلوًا ومالحًا؛ شخصية طيبة وأخرى نفس سيئة ولا ضير بالتواصل والتعايش فسيبقى الحلو حلوًا والمالح مالحًا لا يصلح للشرب وهنا درس في المحافظة على النفس وثبات المبادئ مهما كان المحيط.
وكل تلك الخيرات وكل ذلك التنظيم لحركة الشمس الفلكي وبرزخ المياه التي تدل على عجيب صنع الله لهي آيات على الرحمة ترحم عبادًا حائرين وتهديهم لسواء السبيل وتدرك مسافرين في البر والبحر كم هي جميلة نعمك. يا الله عظيمة الصنع ممتدة الأثر في تكوين التكوين وما أحلاه وأرحمه من تكوين للناس كل الناس.