غيّب الموت في محافظة القطيف، الإثنين 27 جمادى الأولى 1442هـ، أحد أبرز المهتمين برصد وتصوير الطيور؛ الفوتوغرافي علي بن أحمد بن علي الحداد، عن عمر ناهز 49 عامًا، إثر تعرضه لأزمة مفاجئة قبل عدة أيام ألزمته السرير الأبيض إلى أن فارق الحياة.
ونعى فوتوغرافيون على مواقع التواصل الفقيد الذي عرف كعضو في عدة جماعات، بينها؛ جماعة ألق، ووميض القديح، ومصوري القطيف، وجماعة رصد وحماية الطيور.
وترك الفقيد الذي رحل في ذروة عطائه بصمات واضحة في التصوير الفوتوغرافي، حيث اتجه في السنوات الأخيرة إلى تتبع ورصد الطيور.
«القطيف اليوم» التي آلمها نبأ رحيل الحداد تتقدم بأحر التعازي لذويه وتسأل الله أن يلهمهم الصبر والسلوان.
لقاء سابق أجرته «القطيف اليوم» مع الفقيد:
الحداد: عملت بمرتب «كاميرا».. موت والدي أبعدني عن التصوير و«هدية» أعادتني
جمال الناصر، سناء آل حسين – القطيف اليوم
التحليق عاليًا، قد يكون من أصعب الهوايات إتقانًا، نحن قد اعتدنا المشي، والجري و.. و..، إلا أننا لم نعتد أن نخلق لأنفسنا أجنحة، لنحلق بعيدًا، لم نتمكن من أن نصعد للأعلى دون الاتكال على من يرفعنا إلى حيث اللحظة الأبهى، لكن البعض -القلة من البعض- استطاعوا، اتخذوا لأنفسهم من ذلك هواية متميزة، ليس بأجنحتهم، بل سافروا بأجنحة طيور مختلفة، ناحية أفق الإبداع وسمائه.
الفوتوغرافي علي أحمد الحداد واحد ممن أسرتهم العدسة شغفًا، ليطل من خلالها، مرتقبًا، راصدًا، الرغبة الجارفة تعيش في ذاته وتطلعاته، أما “موديلاته”، فكانت بملامح مختلفة، هيئات متباينة، إلا أنها تشترك في صفة واحدة؛ وهي أن جميعها محلقة.
من هو؟
الحداد واحد من مواليد بلدة القديح في محافظة القطيف، التحق في المرحلة الابتدائية بمدرسة سلمان الفارسي بالقديح، ثم درس في “ابن كثير” المتوسطة بالقطيف، وأكمل دراسته الثانوية في مدرسة القطيف الليلية، بحكم حاجته للعمل والدراسة معًا، ويعمل الآن موظفًا في شركة البحر الأبيض المتوسط للملاحة السعودية، في مجال إدخال البيانات.
من ناحية أخرى، هو عضو في عدة جماعات فوتوغرافية؛ جماعة ألق، ووميض القديح، ومصوري القطيف، وجماعة رصد وحماية الطيور، ليحترف تصوير الطيور منذ قرابة السنتين والنصف، بعد أن كان يمارس تصوير الأعراس والبوتريه، إلا أن الطيور أخذت كل وقته، واهتمامه، وصلته -بحسب تعبيره-، مؤكدًا أنه لا يركن للوقوف في مكانه وإن كان البعض يجده عاليًا، لكنه يطمح للوصول إلى مستوى مصوري ناشيونال جغرافيك.
رحلة كاميرا
يسافر بنا الحداد، خلال حديثه لـ«القطيف اليوم» إلى رحلته في عالم التصوير، فقد بدأ بخطوات عامة غير مرسومة الملامح، وهو في السادسة عشر ربيعًا من عمره، إلا أنه يعتبر نفسه قد قصد الباب “الفني” للتصوير بالفعل في عام 2013م.
يقول: حين كنت في السادسة عشر، كان بجانب منزلنا “استديو”، لمالكه السيد محمد الشرفا، بدأت التردد عليه بين الفينة والأخرى، يقودني العشق والشغف، لمعرفة كيفية عمل الكاميرا، وقتها كانت الكاميرات ذات العدستين هي الدارجة، وأظن أن أول ظهور لكاميرا ياشيكا 24 صورة للفيلم، كان سعرها نوعًا ما يعتريه الغلاء، فقد كانت بـ150 ريالًا.
وأضاف: يبدو أن ترددي على الاستديو أتى أُكله، فقد عرض علي مالكه أن أساعده بالعمل في الفترة المسائية، وكان المقابل هو حصولي على الكاميرا، وافقت وعملت معه لمدة شهرين تقريبًا، حتى حصلت عليها.
وأشار إلى أن أول صورة التقطها كانت لوالده -رحمه الله-، لتكون بداية شغفه بالتصوير، ولكن المفاجأة أنه بعد تلك الرحلة فارق عشقه بعد وفاة والده -رحمه الله-، عام 1409هـ.
الحكايات المفعمة بالحب لا تتوقف عقاربها الزمنية، تعود للحياة، كلما داهم الشوق قلب العاشق، وهذا ما حدث مع -الحداد- والكاميرا، فبعد سنوات عاد مجددًا لعالم التصوير، وتحديدًا في عام 1433هـ، بعد أن جاءته هدية من بنات أخواته، عبارة عن كاميرا كانون 600 دي، في مناسبة عيد ميلاده.
وفي رحلته في عالم التصوير، رافقته عدة كاميرات؛ كوداك، وياشيكا، وفوجي فيلم، وبينتاكس احترافية فلمية، والأولى ياشيكا 24 صورة، ليحصد فيها ما يقارب الـ10 آلاف صورة.
الصورة لا تكتمل دون ثمن
جاء، كغيره من المصورين، الذين يبحثون عن جودة الصورة، والتي قد تكلفهم الكثير، يجيب عن سؤالنا حول أسعار معدات التصوير، بأن أسعارها الباهظة قد تفقدك الكثير من الصور، وبعض اللقطات تحتاج إلى عدسات ضخمة أسعارها تتراوح بين 20 ألف ريال وأكثر، لتصل إلى 46 ألف ريال، ناهيك عن استهلاك الكاميرات، أقصد الشتر في هذا الصدد، فإن الكثير يفقد متعة اللقطة والسبب المعدات.
وأضاف: حدثت لي قصة أثرت فيّ؛ فقد كنت ذاهبًا للتصوير في منطقة مزارع المطار، والمسافة بعيدة جدًا، وعندما وصلت اكتشفت أنني لم أحمل بطاقة الذاكرة الخاصة بالصور، وبالطبع لم أذكر الأمر لأحد تحاشيًا لتهكمهم عليّ، ولكن من حينها وأنا أحمل أكثر من ذاكرة وأكثر من بطارية تفاديًا للخطإ.
طيور وحشرات وغرائب
وبعد أن مارس -الحداد-، تصوير الأعراس والبوتريه، وجد نفسه مأخوذًا بتصوير الطيور، كنوع من التحدّي بعد أن أسره جمالها؛ ليتغلغل في هذا الجانب من التصوير بصورة أخذت كل وقته، كما اصطادت كاميرته لقطات احترافية، لبعض الحشرات.
وحين تتأمل صوره؛ ستجدها تنطق بمفردات التسبيح والتقديس لخالقٍ أحسن صنع ما خلق وبرأ، سترى حشرةً “بق النباتات”، وهي تحاول أن تمتص البلازما الخضراء من الأوراق، وستشهد عملية تزاوج الفراشات في ربيع القديح الماضي، ولربما قرأت حكاية الشولة الحمراء وهي تدافع عن عشها من ثعبان كان يريد أخذ بيضها، وستأتيك سمنة الصخور بين منازل جزيرة تاروت، وقد تجد أكثر من ذلك.
يخرج من منزله متقلدًا أدواته بعد صلاة الفجر، متوجهًا إلى أماكن تواجد الطيور، إلى المزارع في محافظة القطيف، وما جاورها من الفسحة الترابية، وصولاً إلى محافظة الأحساء والمناطق المجاورة لها، سعيًا وراء التصوير والرصد، مؤمنًا بأن تصوير الطيور، يحتاج إلى صبر متعب حد التعب وأكثر، لأنه يكون أمام هدف متحرك، يقضي جل حياته في الحركة، يعتمد على توقيت معين لهجرة الطيور.
حضر عدة ورش وعمل في تصوير الطيور مع بعض الجماعات المهتمة بالطيور والحياة الفطرية، مشيرًا إلى أن صديقيه علي الأمرد، وعقيل الناصري، كان لهما الفضل في اتجاهه وتنمية هذه الموهبة لديه، ليذوب عشقًا في توثيق الطيور، وقال: لا أخفي على القارئ، أنه بعد استشهاد أخي وصديقي رفيق الدرب الشهيد جعفر عبدالرزاق، الذي فارق الحياة في التفجير الآثم بمسجد الإمام علي “ع”، كنت على وشك ترك المجال الفني -التصوير-، لأن الفضل الأكبر -بعد الله-، كان له في التحاقي بجماعات التصوير، حيث كان المشجع الرئيس لي في تنمية الموهبة، والاحتكاك بمن سبقونا من فناني القطيف عامة.
الحظ والسمرمر النادر
هل يعقل أن تجد كنزًا نادرًا في يد هاوٍ لا يرتجي من دنياه غير لحظة نادرة؛ “السمرمر” طائر من فصيلة نادرة لم يكن الحداد على موعد مسبق معه، حيث كان يزور مزرعة أبو حسن الجبيلي، لتصوير بعض الورود والحشرات، سارًا في نفسه أنه إذا حالفه الحظ بوجود طير، سيقوم حتمًا بالتقاط صورة له؛ ولكن المفاجأة فاقت سره في نفسه، ها هو السمرمر أمامه، طير حذر جدًا، لفت انتباهه تغريده الغريب، فحاول التقاط صورة فنية له لها قواعدها المنطقية فوتوغرافيًا، لكنه مع الأسف لم يستطع لذلك سبيلاً، ففي أول مرة استغرق الأمر أكثر من ساعتين، وفي الثانية وجه الكاميرا على مكان اختبائه ثم جلس في هدوء، حتى يشعره بالأمان؛ ليظهر نفسه حينها ويستقر، فقام الحداد بتصويره.
مواقف في طرف الذاكرة
تلك السنوات لا يمكن أن تمر دون مواقف، تختزنها الذاكرة، تستدعيها حال شوقها أو تحاول طردها حين تشعر بأن وجودها قد يخلق ألمًا؛ من بين تلك المواقف يذكر الحداد، أن أطرف موقف صادفه، كان خلال رصد بعض الطيور مع أحد أصحابه، حين أبصر شيئًا أسود اللون خطواته بعيدة المسافات على الأرض، يتحرك مع حركة الهواء، ظنًا منه أنه طائر، ليقترب بحذر تجاهه، سعيًا لاقتناصة فوتوغرافية، فيكتشف في النهاية أنه مجرد كيس أسود اللون ليس إلا، ليبتسم.
وعن الموقف المؤلم قال: أن أعود إلى أول مكان، صورت فيه طائرًا مع أعز الناس بقلبي وهو تحت التراب الآن؛ إنه صديقي الشهيد جعفر عبدالرزاق.. كذلك من المواقف التي حدثت له كانت في القاهرة، حين أمسك به الأمن بحجة أنه لا يحمل تصريحًا لممارسة التصوير بعدسة كبيرة “زوم” فاصطحبوه لمركز الشرطة، ولكن عندما عرفوا أنه مصور طيور، وينتمي إلى جماعة رصد وحماية الطيور أفرجوا عنه.
وذكر أن المواقف الحزينة تداهم الفنان في مسيرته الفنية لا شك، وبالنسبة إلى دنياه فإن الموقف الحزين جدًا الذي تعرض له حين قام بتصوير ما يعدو على ثلاثة آلاف صورة في عام 2014، بمنطقة “كلردش”، لتعتريه السعادة من أوسع أبوابها، خاصة أنها تحتضن طيورًا غريبة، ليكتشف حينها، أنه لم يخزنها بالشكل الصحيح، لتذروها الرياح.
الابتسامة تغص بالتسقيط
وعما تكتنزه ذاته من اللغة البصرية، مما تسبب في عزوفه عن تصوير بعض المناسبات، يرى أنه كونه مصورًا فقمة البهجة التي تدخل في ذاته شعورًا من اللطف حين ترتسم البسمة على وجوه الأطفال عند تصويرهم في المناسبات، ليتلقى -بحسب قوله- بعض الصدمات من أهاليهم، الذين يرفضون عرض صور أبنائهم، فلهذا قرر التوقف.
وأشار إلى أنه تلقى في بداياته إهانات كثيرة، سواء مباشرة أو غير مباشرة، وقال: وما زال البعض يحاول التسقيط من عمل المصور ولا يضع في الحسبان أن هذا المصور يخرج من منزله ويجلس لساعات طوال لكي يلتقط الصورة.
استندتُ عليها وما زلت!
كعودٍ ندي بدأ النمو لتوه يحاول أن يكبر ويشتد، كان لا بد له من أن يستند على آخرين، ليقوى، يقول: حظيت بتشجيعٍ دائم من أخي وصديقي الفنان العالمي أحمد الإبراهيم، فهو لا يتوانى عن توجيهي وتحفيزي، وكان له الأثر الكبير في نفسي، وأيضًا لا أنسى زوجتي “أم أحمد” فهي المشجع والداعم الأول لي، ولها فضل عليّ لن أنساه ما حييت.
وأشار إلى أنه سيبقى ممتنًا دائمًا لمن حببه في هذا النوع من التصوير؛ وهما صديقاه علي الأمرد وعقيل الناصري، حيث كان لهما الفضل في تنمية هذه الموهبة واتجاهه لها، أيضاً المحاضر في الطبيعه محمد الزاير، والمصوّر الراصد فيصل هجول، مؤكدًا أنه يمتلك في حياته الكثير ممن شجعوه غيرهم ولكن المجال لا يتسع لذكرهم.
الشهادة حياة
يقول الحداد: بعد استشهاد أخي وصديقي ورفيق دربي جعفر عبدالرزاق في التفجير الآثم الذي ذكرته؛ كنت على وشك ترك المجال، حيث إنه كان له الفضل الأكبر بعد الله في التحاقي بجماعات التصوير، فهو كان المشجع الرئيس لي، إلا أنني تراجعت عن ذلك، وها أنا أكمل ما تعلمته فيها، تخليدًا لذكراه في حياتي.
اختلاف
بين التقاطاته السابقة للأشخاص والتقاطاته الحالية للطيور يجد الحداد مواطن اختلاف ترجح كفة الصعوبة ناحية تصوير الطيور، ومع ذلك فهو يختاره تصوير الطيور، والسبب حبٌ لا يعرف مصدره، يقول: صعب الوصف قد تكون علاقة حب، عشق، سمها ما شئت، ولكني كلما وصلت إلى شيء أطمح إلى الأفضل.
وأوضح مواطن الاختلاف بينهما مشيرًا إلى أن تصوير الطيور يحتاج إلى صبر ومتعب إلى حدٍ كبير، لأن المصور، يكون أمام هدف متحرك، حياته في الحركة، كما أن بعض الالتقاطات تعتمد على توقيت معين في هجرة الطيور، فالمصور يخرج من منزله، متقلدًا أدواته بعد صلاة الفجر، متوجهًا إلى أماكن تلك الطيور، وقد يرتحل لخارج منطقته لهذا الهدف، كما أن
الطيور إذا طارت الطير فلن تعود إلى نفس المكان.
أما في البروتريه فإنك أمام هدفٍ تستطيع تحريكه، والتحكم في سكونه واتجاهاته.
الشولة الحمراء تدافع عن عشها من ثعبان حاول سرقة البيض، التقطت الصورة العام الماضي في إحدى مزارع الخويلدية
تزاوج الفراشات
البومة النسارية من الطيور النادرة تم رصدها غرب القطيف
الدوري الأندلسي من الطيور التي بدأت بالتواجد بكثرة في المنطقة
الحميراء
الهدهد
أنثى سمنة الصخور التقطت في العام الماضي بتاروت
الوروار الأوروبي
القبرة سوداء الرأس، من الطيور النادرة جداً تم تصويرها العام الماضي في منطقة طفيح
الشولة الحمراء الذيل من الطيور المقيمة في القطيف تهاجر في فصل الشتاء لفترة قصيرة ثم تعود، تم تصويرها في مزارع الخويلدية
الفلامنغو من الطيور التي تأتي إلى منطقة القطيف بأعداد هائلة، ويمكث في المنطقة فترة طويلة
الشولة السوداء تتوالد وتتكاثر في الأحساء، وشوهدت الأسبوع الماضي في مزارع منطقة طفيح
البريقش الأحمر “القليعي”
الوروار أزرق الخد، تم رصده الأسبوع الفائت في القديح
حشرة بق “النباتات” حشرة صغيرة الحجم جداً، تقوم بما يقوم به “بق الفراش” من امتصاص الدم، إلا أنها تمتص البلازما الخضراء من الأوراق
خطاف الشواطئ
السمرمر، طائر يتعمد الاختباء بين الأغصان، من الطيور التي لا ترى في المنطقة، إلا أنه تم تصويره في إحدى مزارع القديح