من القطيف.. جاسم آل خليف.. باع أطباقه للمغتربين ومستعد للتخلي عن «التكنولوجيا» ليكون طاهيًا

يقف أمام الموقد بعد أن دون وصفته في مخيلته، يجهز مكوناتها، يختار منكهاتها بعناية، ثم يطهيها بخبرة السيدات، فالشاب جاسم شفيق آل خليف، لم يجد في عالمه هواية تشغل وقته غير الطبخ، ورغم أن هوايته تلك لم يعقد معها علاقة صداقة إلا بعد تخرجه في الثانوية، إلا أن ابن الـ25 أصبح طاهيًا ينافس بأطباقه الطهاة المحترفين، بعد أن عزز هوايته بالدراسة.

جوع الغربة
تغرب الشاب آل خليف للدراسة الجامعية بعد تخرجه في الثانوية، وكأي مغترب أراد أن يخلق بينه وبين المطبخ علاقة ودية، فلابد له أن يسكت جوعه في الغربة بأصناف من يديه وإن كانت بسيطة.

يعود بذاكرته إلى عام 2014م، ويقول: “بدأت علاقتي بالمطبخ في ذلك العام، حين سافرت للدراسة في أمريكا، وقتها أشبع فضولي وتلصصي على بعض الوصفات أخي الأكبر حسين بعد أن سبقني للغربة من أجل الدراسة أيضًا، فقد كان يطبخ بشكل جميل ورائع، وهو أكثر شخص فتح عيني على مجال الطهي بشكل عام”.

مذاكرة و”مسقعة”
تعلم ابن القطيف من أخيه أساسيات الطبخ إلا أنه لم ينفرد بتجهيز طبق خاص من يديه بالكامل، حتى صادف ذات يوم أن أخاه حسين انشغل في المذاكرة ولم يجد الوقت لإعداد الطعام، فتصدى جاسم للمهمة، وقال: “كانت أول طبخة مكتملة لي، وهي عبارة عن طبق “مسقعة”، فكان أخي قد جهز جميع المكونات، وفجأة انشغل بمذاكرته، وقال لي إن الأغراض موجودة واصنعها كما تريد، وحين أنهيتها كانت النتيجة ممتازة جدًا والحقيقة أنه حتى أخي كان مصدومًا من النتيجة”.

طفل لا يستهويه المطبخ
عاش “آل خليف” طفولةً خاليةً من الهوايات، وهو يعزو ذلك لعدم شغفه بالطبخ سابقًا، وعن ذلك يقول: “كانت طفولتي بلا اهتمامات بارزة كثيرًا، ولا أذكر أنني في الصغر كنت أحلم أن أكون شيئًا، وربما السبب في ذلك هو أنني لم أكتشف مدى حبي للطهي في ذلك الحين، رغم أنني أعيش وسط عائلة أكثرهم تقريبًا يجيد البعض من مهارات الطبخ، وأبرزهم أخي حسين وعمي فيصل آل خليف”.

علاقة احترافية
نشأت علاقة جديدة بين جاسم والطهي في عام 2019م، بعد أن تخرج وحصل على شهادة البكالوريوس في مجال إدارة تكنلوجيا المعلومات في جامعة وسكانسون ميلواكي (UWM)، حيث بدأ ممارسة الطهي الاحترافي بعد تخرجه وبعد اجتيازه فنون الطهي التقليدية.

يتحدث عن تلك المرحلة قائلًا: “انتظرت حتى أنهي دراستي في الجامعة كي أتجه اتجاهًا كليًا نحو عالم الطهي، لأنني كنت مؤمنًا بأن هذا هو المجال الذي أحبه، وكنت على استعداد أن أقضي أوقات طويلة للعمل فيه”.

ويضيف: “تعلمت من خلال التجارب والبحوث والتعلم الذاتي، والكثير من الأطباق لم تكن تضبط معي من البداية، لكنني كنت أحاول مرة ثانية وثالثة حتى أصل إلى الهدف المطلوب”، متابعًا: “قضيت ساعات طويلة في القراءة ومشاهدة المحاضرات والتطبيق، وكان الأمر ممتعًا بالنسبة لي، كما أنني سبق ودرست كورسًا واحدًا فقط أون لاين في فنون الطهي، وسوف أدرس كورسات في كلية الطهي بعد شهر تقريبًا”.

ويتابع: “كنت دائماً أتعلم أطباقًا جديدة في المطبخ، وكل يوم حبي للمطبخ كان يكبر، حتى بدأت الطبخ للمناسبات لأعداد كبيرة تتراوح بين 50 إلى 100 شخص، وكنت أستمتع في كل لحظة أثناء العمل”.

عربي غربي
دمج الشاب آل خليف بين الأكلات العربية وجزء من الغربية، محاولًا تحويل الطبخات التقليدية إلى أكلات عصرية، ومثال على ذلك طبق كبسة أطلق عليه الهالوين، كما خَبَز خُبْز برجر بالسبانج.

ووصف تلك الأطباق بقوله: “كانت كبسة الهالوين طبقًا مبتكرًا مني، ولم آت بوصفة من أي شخص آخر، كما أن جميع وصفاتي مبتكرة من قبلي ماعدا التقليدية طبعًا؛ كالصالونة والمحموص، لكني صورتهم بطريقتي، لكنني أعتقد أن معظم الناس تطهيها بنفس الطريقة ولا تفرق كثيرًا”.

وذكر أن المحيطين به تقبلوا جميع أفكاره في وصفاته، مشيرًا إلى أنه لم يعانِ من عدم تقبل المجتمع إلى الأفكار التي أضافها في مطبخه، بل كانوا مشجعين له.

طعام المغتربين
ساهمت الغربة، واحتياج العرب المغتربين إلى أكلات تعيد ذاكرتهم لأوطانهم، في تحويل مهارة جاسم آل خليف إلى مشروع تجاري في فترة من فترات دراسته، قدم فيها الأطباق الخليجية التقليدية، وكانت خطته في قائمة الطعام مبنية على توفير طعام عربي شرقي للعرب المقيمين حوله.

يعبر عن تجربته تلك قائلًا: “كانت التجربة في مشروعي “jassim kitchen”، جميلة جدًا، كما أن زبائني أحبوا الأطباق التي قدمتها بشكل كبير ولله الحمد”.

ويضيف: “تنوعت الأطباق التي أطهيها للزبائن بين المندي والكبسة، والمشاوي، والسلطات، والمقبلات، وغيرها، وقد كنت أحدد الأسعار بناء على إمكانية الطلاب ومقارنتها بالمطاعم المحيطة بي، كما أن الهدف الأساسي للمشروع لم يكن ماديًا بحتًا، بل كان التطوير الذاتي وإظهار مهارتي للناس هو هدفي الأول”.

منافسات بـ القرع
شارك آل خليف في مسابقة مع شركة “إكسينا للمطابخ” خلال هذا العام، واختار أن يشارك فيها بطبق غير مألوف، فابتكر طبق “فوتشيني” مصنوع من القرع، ورغم أنه لم يوفق للفوز في المسابقة، إلا أنه يعتبرها تجربة جميلة.

كفة الطهي راجحة
في الموازنة بين الهواية والدراسة، يبين جاسم لـ«القطيف اليوم» أن كفة الطهي ترجح على إدارة التكنولوجيا، مضيفًا: “في الوقت الراهن أظن أن الغالبية في المجتمع قد لا تتقبل أن يكون الشاب طباخًا أو أن يعمل طاهيًا في مطاعم المنطقة، لكنني على يقين أن هذه الفكرة سوف تتغير مستقبلًا، وسوف أساهم بشكل كبير بإذن الله في تغيير نظرة المجتمع، وأثبت لهم أن بمقدور الشاب القطيفي أن يكون طباخًا ماهرًا”.



error: المحتوي محمي