أطفالنا فلذات أكبادنا، هم الجمال الخاص في هذا العالم ومتعة الدنيا، هم السرور والفرحة وبهجة القلب، وقبل كل ذلك هم نعمة تستحق الشكر لله عز وجل.
لا شك أن وجود طفل في البيت يحتاج من أسرته جهد لرعايته وتربيته وتغذيته، إننا في هذا المقال نحاول مساعدة الأمهات بتعريفهم بالطرائق الصحيحة لتغذية هذه الفئة العمرية الحساسة، بحيث تتحقق التغذية السليمة والفائدة المرجوة على الوجه الأكمل.
تعتبر التغذية الدعامة الأولى لصحة الطفل في سنواته الأولى، فالغذاء الكامل يوفر للطفل العناصر الغذائية التي يحتاج إليها لبناء أنسجته ونموها ووقايته من الأمراض، وقد أثبتت الدراسات أن التغذية في السنتين الأوليين من العمر لها دور كبير على النمو العقلي والجسدي للأطفال، وأن أي نقص غذائي خلال هذه الفترة، خصوصاً في الأشهر الأولى من عمر الطفل قد يؤدي إلى تأخر النمو وظهور أعراض سوء التغذية مما يعوق الطفل على القدرة على مقاومة الأمراض.
ويعتبر سوء التغذية المتمثل في نقص الوزن وفقر الدم من أكثر الأمراض الغذائية، وقد يكون ذلك راجعاً للممارسات الغذائية الخاطئة وانحسار الرضاعة الطبيعية.
يتطلب النمو الصحيح والصحي للطفل تغذية صحية ونظافة شاملة وتوفير الشروط التي تساعده على النمو وتحاشي خطر نقص العناصر المغذية.
فليس هناك من عمل أهم لدى الأم – في نظرنا – من قيامها بتغذية فلذة كبدها تغذية كاملة وصائبة.
كثير من الأمهات يشكين من أن طفلهن يرفض تناول الطعام، أو لا يأكل بشهية، وأنه ضعيف البنية، وحالته غير جيدة، بيد أن السبب غالباً ما يكون ناجماً عن الأم نفسها، فالأمهات المعتنيات أكثر من اللازم يعمدن أحياناً إلى إطعام الطفل أكثر من اللزوم أيضاً، والإكثار من الطعام كالإقلال منه مضر بدوره إذ إنه يؤدي إلى الأثقال على المعدة وإلى انعدام الشهية فضلاً عن التعرض لمختلف العلل الهضمية.
إنها لفارغة وكوميدية فرحة أولئك الأمهات اللواتي يفلحن في إدخال ملعقة أخرى من الطعام في فم الطفل المفتوح أثناء انشغاله بأشياء ومشاهد تسيطر على كيانه وانتباهه، فالطعام المأكول بهذه الطريقة غير مفيد بل ويسبب عادات سيئة متأصلة، وكثير ما ينجم انعدام الشهية عن عدم مراعاة نظام معين في التغذية، وغالباً ما يسمح الأهل للطفل بتناول شيء من الطعام قبل وجبة الغذاء أو العشاء كأن يقدمون له قطعة بسكويت أو قطعة من الحلوى والشيكولاتة أو شيئاً ما من هذا القبيل، إن هذه العادة تقتل الشهية لدى الطفل، وعلى وجه العموم ينبغي تطبيق القاعدة التالية بحزم: “عدم تقديم شيء من الطعام خلال الفترات التي تفصل بين الوجبات”.
لا حاجة بنا إلى تأكيد أهمية تغذية الطفل من مرحلة الرضاعة إلى تناول الطعام العادي وبداية اعتماد الطفل على نفسه.
تبدأ كفاءة جهاز المناعة منذ الصغر، فالطفل الذي يرضع رضاعة طبيعية تكون صحته جيدة ويملك جهازًا مناعيًا قويًا، والأم التي ترضع ابنها لا تعطيه حليب الرضاعة أو الحنان فحسب، بل تعطيه أيضًا حماية ضد العديد من الأمراض المعدية، فحليب الرضاعة يحتوي على مركبات عديدة مثل الأجسام المضادة ويكتسب الرضيع حماية ضد الميكروبات الممرضة التي تتعرض لها الأم، فحليبها يحتوي على عدد كبير من كرات الدم البيضاء، وبخاصة السرسوب الذي يحتوي على عدد كبير من الخلايا البالعة والخلايا التائية.
نحاول من الشهر الرابع إعطاء الطفل مع إرضاعه سواء طبيعياً أو صناعياً، أغذية سائلة أو شبه سائلة، كمبشور التفاح والعصائر المصفاة من الألياف، وبكمية بسيطة بحيث لا تتجاوز نصف ملعقة صغيرة ثم تزداد تدريجياً بشرط أن يتناولها الطفل بالقبول، وفي ختام الشهر الرابع يمكن إعطاء الطفل هريسة الأرز شبه سائلة حتى يسهل بلعها وهضمها.
تبدأ الأم من سن 6 أشهر بإعطاء طفلها هريسة الحبوب الكاملة من الأرز أو القمح أو الشعير أو الشوفان أو الذرة أو الدخن، تحضر بإضافة الحليب أو أي سائل آخر مغذٍ مناسب، كما يمكن في هذا الشهر أن يقدم للطفل الزبادي والخضراوات المسلوقة والمهروسة جيداً، والخالية من البهارات والسكر، ولكن يمكن أن يضاف لها آثار بسيطة جداً من الملح، فنبدأ بالتدرج بمقدار مناسب حتى لا يشعر الطفل بمتاعب من تناولها، وأن تؤكل مباشرة طازجة دون حفظها بالثلاجة.
من المهم جداً والمفيد أن نجعل وقت الوجبة ممتعاً وشيقاً للطفل إذا ما ركزنا على كيفية أكله، ولابد أن نعرف أن الطفل له ذوقه ومزاجه الذي يثير شهيته، وطريقته الخاصة في الأكل، فإجبار الطفل والدخول معه في صراع لن يجدي نفعاً، فلا نلوم الطفل على ما يأكله، ولا نقلق من نسبة استهلاكه لها، ولا نربي لديه عادة التعود على طعام من نوع واحد، حتى لا يشعر بالملل، فالأطعمة متنوعة تعطي القيمة الغذائية نفسها، نقدم الأكل بطريقة شيقة ولذيذة فمثلاً قد نضع في يد الطفل ملعقة صغيرة وكمية بسيطة من الطعام أمامه ليتحمس ويقبل على الأكل كعملية تشجيعية تساعد على إنهاء وجبته بدون نزاع أو مشكلات معه.
نحن جميعاً نرغب من الأمهات أن تختار لأطفالها الطعام الصحي هو ما نحصل عليه نقياً من الطبيعة أي الأطعمة التي نأكلها مباشرة دون تصنيع أو معالجة، وأفضل هذه الأطعمة موجود بالفواكه والخضراوات الطازجة والحبوب الكاملة وأيضاً اللحوم الطازجة.
عزيزتنا الأم اختياركِ تشكيلة من الأطعمة تتطلب الكثير من الانتباه، قد يتغير أسلوب تذوق الطفل للأطعمة كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، لذلك حاولي أن تقدمي له الطعام الذي رفضه منذ بضعة أسابيع فقد يقبله، يجب الاهتمام بصورة خاصة بالخضار الطازجة من قرع وكوسة ويقطين وجزر وبطاطا حلوة، والحرص على غسلها جيداً قبل إعدادها وتقشير ما أمكن تقشيره شريطة عدم الإخلال بقيمتها الغذائية، وتقطيعها وسلقها ومزجها وتقديمها للطفل على هيئة هريسة، كما يمكن إعطاء الطفل الفواكه مثل الموز الناضج جداً، والمهروس جيداً، وخبيصة التفاح، وكلها تؤخذ بدون سكر.
تفسر المشادات التي تحدث بين الأمهات وأطفالهن عندما يحاولن إطعامهم غذاء صحيًا، صورة محفوفة بالفشل، ولكن ذلك لا يعني أن نترك الأطفال لميولهم، وإنما ينبغي تعريضهم لطعام صحي بالتدريج حتى يتعودوا عليه، مثل تعريض الأطفال للخضراوات في الصغر حتى يتعودوا عليها ويتغلبوا تدريجيًا على ميلهم الطبيعي للحلو.
فعندما يصر الطفل على عدم تناول الخضراوات، فإن مورثاته تدفعه غالبًا إلى ذلك السلوك، ولكن الأمل معقود أن يحب الخضراوات في المستقبل، شريطة أن تتغلب المؤثرات البيئية على تركيبته الوراثية الطبيعية؛ فطريقة إعداد وتحضير طعام صحي للأطفال بشكل بسيط وجذاب قد تجعلهم يقبلون على الطعام بشوق وشهية.
إن طريقة التغذية اليوم تزعج الأطفال، ولا تحقق الفائدة الغذائية المتوقعة، فالأم التي لا تهتم بتجهيز غذاء طفلها أو لا تعطيه الوقت الكافي لتناوله متأثرة بسرعة إيقاع الحياة، نجد شهيته ضعيفة، وقد يصاب بمغص أو اضطرابات هضمية.
لا نجعل من موضوع الأكل موضوعاً مزعجاً، فإذا كان الطفل لا يأكل في أكلة ما، فلا داعي للقلق لأنه سيأكل في أكلة ثانية، إلا إذا كان مريضاً، قد نلجأ إلى أساليب يعجب بها الطفل وتدفعه يقبل على الطعام بشهية كأن نضع طبقاً مليئاً بالفواكه والخيار والجزر ونقسمها إلى قطع صغيرة وبأشكال جذابة، يتناولها الطفل، وهكذا نعوده على الأكل الصحي بدون إجباره والدخول معه في صراع لن يجدي نفعاً.
ونذكّر الأمهات بأن للطفل رغبة وشهية للطعام يجب علينا احترامهما وأن نقدم له الغذاء الصحي المتوازن عند إحساسه بالجوع والرغبة في الأكل من غير إلحاح أو فرض أو إصرار.
ما إن تواجه أي أم طفلاً بديناً يأكل بشهية حتى تبادر بالقول والسعادة تلمح في عينيها ما شاء الله، فهي تغبط الطفل إذا ما قارنته بطفلها، حيث ترى أن الطفل البدين يتمتع بصحة أفضل من ذلك النحيل، وأيضاً شهيته تحدد صحته.
يعتقد البعض خطأً أن هناك علاقة صحية بين زيادة الوزن والوقاية من الأمراض، وأن الطفل البدين أقل عرضة للأمراض أو أكثر مناعة من سواه من الأطفال معتدلي الوزن، ومن منطلق هذا الاعتقاد الخاطئ تسعى الأمهات جاهدات إلى إرغام أطفالهن وإطعامهم فوق حاجتهم وإرهاق معدتهم بالأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية لتحقيق رغبتهن في رؤية أطفالهن في وضع صحي أفضل، كما يذهب البعض إلى أبعد من ذلك باستخدام فواتح الشهية من أدوية طبية أو أعشاب طبيعية لتحقيق هذه الرغبة.
وتصحيحاً لهذا الاعتقاد الخاطئ ينصح أطباء الأطفال واختصاصيو التغذية دوماً بأن تناول كمية كبيرة من الطعام سوف يكون عبئاً عليه في المستقبل وتعرضه للبدانة المفرطة التي ليست دليلاً على الصحة.
وأسباب عدم زيادة وزن الطفل الطبيعي كثيرة ومتعددة وتحتاج إلى مراجعة الطبيب للتعرف عليها وقد تكون هذه الأسباب غذائية أو مرضية أو حتى نفسية.
ورغم شعور الآباء والأمهات بالخوف والقلق حيال هذا الأمر، إلا أن بعض خبراء التغذية يتعامل مع الظاهرة كمقياس للحكم على صحة الطفل.
تتميز السنة الأولى من عمر الطفل بالنمو السريع، أما بعد هذه الفترة فإن النمو يكون بطيئاً، ويتمكن الأطفال في السنة الأولى من أعمارهم من تعلم بعض المهارات الخاصة التي تمكنهم من الاعتماد على أنفسهم مثل تناول الطعام، أو اختيار وتفضيل أنواع معينة منه.
في حالة الخوف من تدهور صحة الطفل، يفضل تزويده بجرعة يومية من الفيتامينات الخارجية.
يسأل الآباء الأطباء دائمًا: هل يجب أن أعطي طفلي فيتامينات؟
وعلماء التغذية يجيبون: نعم، ولكن ليس من النوع الذي يعبأ في زجاجات.
فكلما أحس الطفل بذاته بصورة أفضل كانت تطلعاته أكثر إيجابية، كما ستقل الطاقة المهدرة في محاربة وإثارة المشكلات.
غالبًا ما يستجيب الطفل لأي شيء يرضي طموحه وأهواءه إلا أن إقناعه بتناول الطعام الصحي السليم ليس بالأمر السهل لذلك أنصحكِ بالتخلي عن إجبار الطفل على تناول الطعام؛ لأن ذلك يجعله يتمادى في رفضه وعناده، اجعليهم يقلدونكِ في سلوككِ الغذائي السليم، أتيحي لهم الفرصة أن يشاهدوكِ وأنتِ تتناولين الفاكهة الطازجة أمامهم بكثرة وتظهرين استمتاعكِ بها وتحرصين على إعداد وتناول طبق السلطة مع كل وجبة.
إن حالة الاستمتاع التي تظهرينها أثناء ذلك تجذبهم بشدة وتجعلهم يقلدونكِ في تناول الفاكهة والسلطة والاستمتاع بها أيضًا، وأفضل طريقة تثير الأطفال وتجعلهم يتناولون الأطعمة الصحية هي أن تجعليهم يشاركون في قرار اختيار طعام العائلة، وهذا يتضمن ذهابهم مع الأب والأم للتسوق وإتاحة الفرصة لهم في اختيار الأطعمة بأنفسهم وتركهم يساعدون في ترتيب الأطعمة المختلفة كالخضراوات، والفاكهة والأطعمة الجافة في أماكنها وأنتِ تبينين لهم أثناء ذلك فوائد كل صنف بأسلوب مرح، شيء آخر يمكن أن تلجأ إليه الأم وهو تقديم كمية قليلة من الوجبة مقسمة إلى أجزاء صغيرة تتناسب مع حجم فم ومعدة الطفل، لأن الكميات الكبيرة تجعل الطفل يكره الطعام ويرفضه كما يجب أن يشعر الطفل بالجوع لكي يأكل، فلا تقدمي له طعاماً بين الوجبات الرئيسية، حاولي أن تكون الوجبة متعددة الألوان لأن العين تأكل قبل المعدة، وتزيين الطعام من أفضل الطرق لفتح شهية الطفل، فيمكن للأم تزيين طعام الطفل بالتفنن في شكل الطعام بأن يكون مقبولاً ليحوز إعجاب الطفل ويساعد على فتح شهيته، وهناك أفكار بسيطة يمكن بها فتح شهية الطفل مثل الخضراوات والفواكه، برسم عيون وفم على الأطباق الخاصة بالطفل باستخدام السندوتش وتجعله مقبولاً أكثر لدى الطفل، استخدام أدوات تقطيع ذات أشكال مختلفة تغير من شكل من ناحية التنوع والجمال الشكلي، اجعلي شكل الطعام المقدم للطفل كالطعام المقدم في المطاعم المحببة لدى الطفل، استخدمي أطباقا وقوالب على أشكال شخصيات الكرتون، وألوان متعددة تفتح الشهية، اجعلي حافظة طعام الطفل تحتوي على أطعمة متنوعة، استخدمي الفواكه والكريمة لتزيين أطباق الحلوى.
إعراض الطفل عن الطعام قد يكون خطراً، ففي أثناء انتقال الرضيع من مرحلة الرضاعة إلى تناول الطعام العادي وبداية اعتماد الطفل على نفسه لاحظ الأطباء النفسانيين أطفالاً يبدون عزوفاً عن الطعام وفشلاً في النمو والازدهار وسموها بعلة فقد الشهية العصبية الطفولية للطعام “Anorexia nervosa” وتعتبر علة خطيرة تؤدي إلى سوء تغذية حاد يهدد نمو الطفل، وأن سوء التعامل من قبل الأهل مع هذه العلة قد يزيدها تعقيداً وربما تبقى العلة، ويرى الباحثون أن الانتباه لهذه العلة والتفريق بينها وبين إعراض الطفل عن الطعام لأسباب أخرى مبكراً من شأنه أن يساعد في حلها بواسطة اختصاصي الطب النفسي، وأن تقييم تداخلات الأم والرضيع وسيلة تشخيصية مهمة ومفيدة.
تصنف هذه العلة في كتيب الاعتلالات العقلية التشخيصي والإحصائي لجمعية النفسانيين الأمريكيين عام 1994م وتمييزها عن بقية العلل النفسية الأخرى التي تصيب الأطفال أثناء فترة الرضاعة والطفولة المبكرة وحددوا لهذه العلة المواصفات التالية:
– عزوف الطفل الدائم عن الطعام لأكثر من شهر ويبدأ هذا العزوف مع بداية المرحلة الانتقالية للرضيع من الرضاعة إلى الأكل بواسطة الملعقة والاعتماد على النفس في العمر بين 6 أشهر إلى 3 سنوات.
– إصابة الطفل نتيجة لذلك بسوء تغذية حاد أو مزمن.
للأسف الشديد فإنّ الأطباء لا يعطون أملاً كبيراً بالشفاء من مرض الأنوريكسيا وبشكلٍ خاص في حالات المرض المتقدّمة، حيث لا تتخطى نسبة الشفاء الـ 35%، لذلك يجب على الأهل أن يكونوا حذرين بشكلٍ كبير لكي يتمكّنوا من علاج أبنائهم قبل أن تتفاقم حالتهم المرضيّة.
إن الطفل بحاجة إلى من يفهمه، ومن يقترب منه ومن يلعب معه وفقًا لمفهومه، وليس وفقًا لمفهوم الكبار، وحينئذ يمكن تقويم سلوكه بالطرق الوّدية المبنية على الإقناع وليس الإكراه، وعلى ثنائية الثواب والعقاب، إذ إن حرمان الطفل من لعبة محببة إليه أشد تأثيرًا عليه من صفعة على خده.
منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.