يوميات قلم.. ٨

كنا على موعد، كما كنا سابقًا، ولكن هذا الموعد جاء مختلفًا في المكان، فلا زخات مطر، أثقلها الجلوس على الغيمات، لكنه ما بين رفوف مكتبته، جلسنا، أخذني التحديق مليًا في الصور المُعلّقة على جدران حجرته، التي تحمل في جعبتها الذكريات.

الآن، يُخاطبني: أتعلم، أيُها القُروي الجميل أن جريدة اليوم، أراها جامعة، تخرّج فيها الكثير من الزملاء الإعلاميين، فلا أجامل، حين أشير إلى أن الإعلام قام بدوره؛ رجال حملوا على كاهلهم مسؤولية إنجازه، وتحمل أعبائه.

وبينما أصغي، لأعرف تفاصيل تلك الحقبة الزمنية، فما أجمل أن تبحر في حكايا الآخرين، أن تستمد من خطواتهم الكثير، الذي يختصر عليك سنوات.

يقول عن تجربته في جريدة اليوم: بدايتي، كانت من بستان جريدة اليوم -كما أشرنا سابقًا-، بكونها المدرسة، التي احتضنته، واحتضنت الكثير من الزملاء، حيث أبرزتهم، وصقلت موهبتهم، ولقد بدأت كتابة سطوري الأولى في عالم الصحافة والإعلام عبر قرطاسها الأبيض، لأكثر من 17 عامًا، وتعاقب على رئاسة التحرير فيها إبان عملي، كل من الزملاء خليل الفزيع، وعتيق الخماس، وسلطان البازعي، ومحمد الوعيل.

ويعلم هذا القُروي الجميل، الذي لايزال، يُطرب ذاتي عشقًا أنني عاشق للماضي، وتستهويني جدًا القراءة عن حياة المُبدعين، لأكون ثملًا، لحد الجنون، وأكثر في التفاصيل الصغيرة، لأغرق في التوصيف، وأغمض عيني، لأتخيلها واقعًا.

يتابع حديثه، ولا زلت أصغي بكلي له: يكفي أن تدخل مبنى التحرير الضخم بأقسامه الكثيرة في حي البادية بمدينة الدمام، ويستقبلك الحارس للمبنى من الجنسية السودانية، ثم خلية الإخراج، والتنفيذ للصفحات، لتبصر في الجهة الأخرى، القسم الفني، بعدها الأقسام المختلفة في الأدوار الثلاثة؛ المحليات، وقسم التحقيقات، والقسم الفني والثقافي، والرياضي، وقسم الكاريكاتير، ورئيس التحرير ونائبه، وكل قسم، يوجد مشرف له، تعود إليه المواد التحريرية لصياغتها، تباعًا، مع المسير للصفحة، وبعدها لرئيس التحرير، لاعتمادها، ثم لقسم التصحيح واللغة، وبعدها يتم عمل الصفحة.

إن متعة العمل الصحفي، تأتي في الجهد، الذي يبذل، في حبيبات العرق، التي تُعانق لحظات العمل، والتنقيب، وبناء الأبجدية، يصف لنا تلك المرحلة، ويقول: كان العمل حينها متعبًا وشاقًا، مع كتابة العناوين بخط اليد في ذاك الوقت عام 1400هـ، لقلة الإمكانيات، وبساطة التكنولوجيا، مما يزيد العبء في كل الأقسام، ثم قسم المونتاج، وعمل الفيلم للصفحات، لترسل للمطبعة في مبنى آخر في مدينة الدمام، ومع كثرة ازدحام الأقسام والمحررين، والمنفذين، وعمل الملاحق للمناسبات، تم ضم المبنى المجاور، لمبنى التحرير إلى جريدة اليوم للإعلام والنشر، وذلك بعمل ممر للمبنى الجديد، الذي اختير له القسم الثقافي والفني والرياضي، الذي أقوم بالعمل فيه برئاسة الدكتور مبارك الدوسري، ونخبة كثيرة من الزملاء، مثلًا -على سبيل المثال لا الحصر-، الزميل عبدالرحمن البدين، وعبدالعزيز البخاري، ووليد الفراج، ومرشد الخالدي، ومروان العقيل، ومنير بوبشيت، وأسامة السبع، وعلي القطان، ومنصور المصلي، ويعقوب حاج آدم، وأحمد صالح، ورضوان غضنفر، وغيرهم الكثير، ممن عملوا فترات، وكانت لهم بصمتهم الإعلامية المُميزة، والنوعية.

يضيف: كما تناوب على رئاسة القسم عدد من الزملاء في فترة عملي، بداية من الدكتور مبارك الدوسري، وعبدالله العتيبي، ومحمد البكر، ثم انتقلت إلى جريدة الرياضي، مع المُؤسسين، كسكرتير تحرير، وجاء عيسى الجوكم لرئاسة القسم الرياضي في اليوم، لتنتهي حقبة عملي في جريدة اليوم.

أشار بإصبعه باتجاه رموش عيني، حتى ظننته سيخترق سوادها أو بياضها، فارتعش قلبي اضطرابًا، إلا أنه أراد أن ينبه مجمل حواسي، لهذه المُفردات، وقال: أيُّها القروي الجميل، حدق بكل مسافات عينيك، ونبضات فكرك، هكذا، تكون البدايات، لا تترهل من الذاكرة، لكنها تزداد توهجًا، لأقول مبتهجًا: إن التحاقك بالعمل في جريدة اليوم، حدث لا يقض لذته النسيان في مسيرتك الإعلامية، هذا ما أفهمه، فعلق، والابتسامة تفرش بياض خديه: نعم، هو كذلك.


error: المحتوي محمي