هل ثبتنا في أطفالنا كفرَ النعمة؟!

أظن أننا وبكلِّ أمانة غفلنا عن مناظرِ الجوع ومآسيه في العالم، ولم نخبر أولادنا وأحفادنا عن التجارب التي عشناها، ولو أنها لا تقارن ولا تقاس بما مرَّ ويمر به غيرنا، لكنها كافية لتعريفهم بمخاطرِ النسيان، وأن يكونوا مستعدين ليومٍ – لا سمح الله – يحتاجون فيه شدَّ الحزام، أو فقط من أجل الشكر وحفظ النعمة. ليس أننا لم نخبرهم بتجاربنا، بل علمناهم وثبتنا في سلوكهم وعقولهم أن النعمة ليست ذات قيمة، ويمكنهم الكفر بها.

في أبسط الأشياء تعددت خيارات الطفل الصغير في وجبة الإفطار، لم تعد فقط خبزةً واحدة وكأسًا من الحليب أو ما توفر كما كان قبل سنوات، وإن لم تعجب الصغير هذه الوجبة، فعشرة أشخاص سوف يلتهمونَها بكلِّ سرور. فقد تعددت الخيارات الآن، ومع كل وجبة تسمع من الصبية: هذا لا يعجبني، وهذا طعمه غير جيِّد. وتتغير تقاطيع وجوههم معلنةً الرفضَ والتشكي مع أن الوجبة لا يتمكن منها ملايين البشر، إن لم يكن المليارات.

حتى الماء الذي نشتريه الآن معلبًا في قوارير، ويكلف ميزانيةَ الأسرة الشيءَ الكثير، يشرب الطفل من القارورة جرعةً واحدة وكأنها قنينة دواء ويرميها. ثم تتجمع هذه القوارير وتضيع هدرًا. هذا لأنه غاب عن بالنا شح الماء الصالح للشرب الذي يمكن للإنسان أن يشربه دون معالجة، والخوف مما قد يكون فيه من ملوثات. لا، بل نسينا كيف كانت جداتنا وأجدادنا يستجدون الماءَ ويجلبونَه على ظهورهم، وظهور دوابهم مسافةً طويلة.

هل يكون الحل في أن نعرِّض أطفالنا لصدمة الجوع يومًا واحدًا كل شهر؟ ونشتري لهم الفاكهة والخبز بعددهم مثلهم مثل بقية البشر، الفقير والمتحضر، من أجل أن نعرفهم قيمةَ النعمة وكيف يشكرون الله؟ ثم نحرمهم من كميات وأنواع المأكولات التي لا يستطيعون هضمها بين الوجبات؟ ربما فعلًا علينا القيام بذلك، فخسرَان وجبةٍ واحدة لن يعرضهم للهلاك كما نظن. بل سوف يكون حافزًا لهم لتغيير تفكيرهم تجاه النعمة التي لا يتمتع بها مليارات البشر.

ثم علينا أن نعلمهم بعد كل وجبة أن يقولوا: الحمد لله – بدلًا من الشكوى والتذمر – لعلهم يعرفون مصدر هذه النعمة ومن ميزهم بها وحباهم بها دون ميزةٍ منهم في ذواتهم، بل كان من الجائز أن يكونوا هم من يشتكي من قلةِ الطعام وندرة الماء.


error: المحتوي محمي