قال تعالى (خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ )
يأتي بعد القسم جواب القسم العظيم وهو خلق الإنسان الآية المعجزة، وخلق الجان الآية الأخرى مع ذكر التباين في مادة الصنع فاين الفخار من النار.
الإنسان ما أعجب هذا الصنع وما أقدس، هذا المخلوق لغة إلهية ناطقة بالسبحان، دولة القيم والمبادئ المتحركة بالفطرة، مصانع ومعالم وبيوت وممالك أقامها هذا المخلوق الجنين الذي كان أول خلقه من طين، شيء بسيط لكن لأن الله نفخ فيه من روحه كان له هذا التبجيل والإكرام.
إن خلق أدم الأب الأول للبشرية من طين لهو بجد خلاصة الإعجاز وأولى تجلياته على الخليقة في السماء والأرض، فسبحان الله الذي خلق وبرأ هذا العامل بالحق والعبادة هذا الفيلسوف العالم الرائع بكل معاني الروعة في قوله، وفعله هذا العبد المختار للطاعة، هذه الطاعة العظيمة التي تتحرك في الوجود والأرض والكون طاقة مشتغله بالحركة والنشاط والحياة والإنجاز والبناء والطموح.
وكل هذا من ماذا؟ من طين أيسر الخلق وأضعف مادة بنائية من ناحيه السماكة والتحمل، رقيقة هشة تتأثر بأي شيء بالحرب، بالحديد بالنار بالغرق، ولكن ليثبت انه هو الله لا إله إلا هو يخلق من لا شيء كل شيء، وإن الإنسان مخلوق الطين البسيط هذا بقدرته الحية بروح الله المنفوخ فيه يصنع بقدرة الله كل الحياة والجمال ويحقق في دولة الله على الأرض كل الرحمة لأن الله أدخل روحه برحمة فيه وسجدت لآدم ملائكة الله حباً لرحمة يوجدها الله على كل الممالك السماوية والعوالم الربانية ليكن هذا المخلوق سر الرحمة وولي الرحمة وآية الرحمة كما نحن الآن نتفكر في أجمل سورة الا وهي الرحمن.
بعد ذكر الإنسان يبقى الشق الثاني من الأرض والتكوين، ألا وهو خلق الجان الذي يعيش مع الإنسان في هذه الأرض دون أن يراه ليثبت الله أنه ويخلق ما لا ترون وما لا تعلمون، لنقف هنا وقفة تفكر، إنه كما نحن البشر نعيش عالماً واسعاً من الحياة هذه بأقطارها وأفكارها هل يمكن أن يوجد عالم آخر معنا على هذه الأرض لا نراه بأقطاره وملوكه وأجهزته، وإلا كيف يخلق الله شيئاً لا يهيئ له أرضية العيش ومساحة العمل، يقول تعالى في آية أخرى “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”، لذلك كم هي كثيرة الأمور التي لا نعلمها وتبقى خفيه عنا فلربما هناك حياة لم يرها أحد منا فعلاً، تحيا مع أنفاسنا وبيننا سبحان الخالق العظيم.
وبعدها يقول “فبأي آلاء ربكما تكذبان”، هذه الآية الأسطورة التي ستتكرر كثيرة في عروس القرآن، ومعناها بعد كل هذا الذي صغناه وذكرناه هل ستجدون أيضاً أيها الجنة والإنس المخاطبين مساحة التكذيب بأنفسكم بخلقكم فأين بعد ذلك تلقون أنفسكم، ها أنتم، ها هي أنفسكم، أنا أقسم بها لأنها أجمل ما خلقت وبرئت وأباهي بها ملائكي، فهل يا من يحبهم الله يا عبادي تكذبونني، راجعوا أنفسكم وانظروا في الخلق لا أظن الا أن يأتيكم التصديق بي.