ماذا بعد اختلافهما؟!

الصداقات الوفية وما أدراك ما هي، في عطائها ونتائجها الإيجابية في الجانب النفسي والاجتماعي على الفرد، فمن الحظوة أن يكون بجانبك من يشاركك الكثير من محطات حياتك مع تباين ألوانها، فهو المشارك لك في اللحظات الجميلة التي تتمنى أن يتقاسم معك أحبابك الفرحة فيها، وهو المضمد لجراحك الناجمة من هجمة الزمن والمسكن لزفراتك التي لحقت بك بسبب الهموم والأزمات، فلا يمكننا الاستغناء عن توائم للروح نتشارك معهم الحياة بكل تموجاتها ونجد لهم مكانة في القلب تهب جميع الأطراف من تلك العلاقة الجميلة الطمأنينة والأمان.

ومن ظفر بصديق نسج معه علاقة الانسجام والتفاهم والود فعليه الحفاظ على تلك العلاقة من المنغصات وعوامل الفرقة والاختلاف، فالبعض لا يولي علاقاته بالأحباب أهمية الرعاية والبحث عن عوامل تطويرها وتنميتها والترقي بها لأعلى درجات الرقي والتوافق والشعور الوجداني بالآخر، بل ويضرب تلك العلاقة بين حين وآخر بشهب ملتهبة توترها وتحدث شرخًا فيها، ولا يتنبه لذلك الجدار المانع الذي يعتلي مع كل موقف متأزم بينهما ويباعد بين قلبيهما المسافة تلو الأخرى، ولا يقي العلاقات من الترهل والضعف سوى المتابعة والتحري لكل موقف وحوار بينهما.

ومن أسس نجاح علاقات الإخوة الاختيار الدقيق المبني على معايير واقعية ومنطقية كالطيب وتفهم شخصيات الآخرين والاحترام والتعاون والثقة وغيرها من أسس العلاقات البناءة، إذ ما يرجوه كل إنسان من علاقاته أن يحظى بمبادئ السعادة وراحة البال وانتعاش الروح برؤية من يقدر وجودك، ويخفف عنك عناء ومتاعب ومشاغل الحياة التي تهد القوى وتستنزف الطاقة النفسية من الإنسان، فيجد في الصاحب الوفي الصدر الواسع الذي يستمع لمعاناته ويمده بالتوجيهات اللازمة لتجاوز ذلك المنعطف الصعب، فالصديق الوفي سند في مواجهة صعوبات الحياة والمشاكل التي يحتاج فيها لمن يهدئ نفسه المتوترة ومن ثم يستعيد توازنه الفكري والانفعالي، فيبدأ في دراسة الموقف بتأنٍ ومنطقية.

والسؤال المهم، هو: هل بروز علائم وبوادر الخلاف بين الأصدقاء يعد مؤشرًا لاتجاه علاقتهم نحو الترهل والضعف والتمزق بعد توالي ضربات المواقف المتأزمة بينهم؟

مجرد وجود الاختلاف بين الأصدقاء يعد أمرًا طبيعيًا ولا غرابة فيه، فالصداقة لا تعني الاندماج التام في الأفكار والرؤى والاهتمامات لدرجة اختفاء أحدهما عن المشهد، بل هو انسجام وتوافق يقوم على أساس المحبة والاحترام والثقة والتفاهم يقرب بين أرواحهم، ويدفعهم نحو نسج علاقة يعالج فيها أي خلاف على أساس الحوار وتفهم ظروف الآخر ومراعاة ما يعاني منه من متاعب الحياة، والصراحة والشفافية ترسم جدارية الوضوح والارتياح والثقة بينهم.

وأما ما ينخر العلاقات بين الأصدقاء هو الاختلافات التي تأخذ بعدها الكبير وتضخم في تفاصيلها وتؤخذ بحساسية زائدة أو غيرة مفرطة، وأي خلاف هو في الحقيقة نتيجة ظروف أو حدث لابد من تسليط ضوء التفاهم والبحث عليه للوصول إلى نتيجة مرضية، ومن الخطأ تصور سير العلاقات على وتيرة واحدة طوال الخط من التوافق والإيجابية، بل هناك محطات زعل أو سوء فهم أو انفعال تكشف عن حقيقة شخصية كل واحد منهم، ومتى ما شهروا سلاح التفاهم والمسامحة والاعتذار فإنهم يذيبون جليد الخلافات.

فالمحك الصادق لمتانة علاقتهم هو قدرتهم على احتواء أي خلاف بينهم أو فتور في العلاقة، وعملهم على تزريقها بما ينشطها ويعيد لها ألقها بالتواصل والحوار وتغيير الروتين، وأما الخطأ في التعامل مع الخلافات فهو تحويلها إلى ساحة معركة يخوضون فيها المشاحنة تلو الأخرى حتى تحل وتخيم القطيعة والخصام.

الاختلاف في وجهه الإيجابي يكشف لنا عن دواخلنا وما ينقصنا من أدوات التواصل وكذلك تلك العيوب كالعصبية والحساسية المفرطة والأنانية وغيرها، ومن ثم يعمل على تعديل وتغيير شخصيته نحو الأفضل والأكمل، فالأرضية الصلبة لتفاهمهم تمكنهم من تجاوز العقبات.

العلاقات بنحو العموم مشهد يكشف الحقائق ويبرز جوانب الشخصيات، فيبدو من يتحمل من أجل الوصول لعلاقة مستقرة وناجحة، ويظهر من ينتظر الفرص لا للبقاء وإنما من أجل الانسحاب في أقرب فرصة!



error: المحتوي محمي