أنت ما تأكل

تعي الذاكرة مما كان يطبع زمان، كان الكثير من الذين يعانون النحافة يحلمون بتناول وجبة دسمة لزيادة أوزانهم، كون أغلبية الناس في ذلك الزمن نحفاء لأنهم – ببساطة – لم يكن باستطاعة الكثرة منهم أن يركبوا السيارات، وبذلك لم يكن أمامهم – قسْراً – سوى المشي وقضاء مصالحهم على أرجلهم، وكان ذلك يحرق كل ما ينزل إلى جوفهم من طعام، وأيضاً كانت الأحوال بسيطة، ولذا لم يكن بمقدور الكثرة من الناس تناول اللحوم والدجاج والأسماك يومياً، وكان الاعتماد على الحبوب والخضروات والخبز، كانت العملية مقننة ومحسومة، اللحوم بأصنافها الحمراء والبيضاء تؤكل مرة في الأسبوع لمن هم أسعد حظاً.

مع مرور الأيام تغير أسلوب العيش، فقد تنوعت الأطعمة، وفتحت الشهية، وتكفلت المطاعم بعمل عشرات الأطعمة الجديدة والسريعة، ملأنا بيوتنا خدماً، وأعيينا أجسادنا بالأمراض التي سببها الخمول والكسل، وأصبحنا نعاني من مشكلات صحية، ولم يعد همنا سوى كيف نتخلص من أرطال الشحوم المكتنزة في أجسامنا بوسائل علاجية كثيرة ومتنوعة وحلها ليس بالأمر السهل، فبعض هذه الوسائل يعتمد على دعاية كاذبة غرضها الربح الوفير من فكرة التخسيس وبعضها قد يكون على حساب صحة الشخص وسلامته، كما أن الوصفات المعلن عنها في قنوات التواصل بوتيرة لا تمل ولا تكل؛ أغلبها خزعبلات واهية، تجعلنا نعيش على وهم وسراب.

إن ما لا يفهمه كثير من الناس أن خطة إنقاص الوزن الصحية تبدأ بما يسمى بحفز الطاقة أولاً، ثم بعد ذلك معرفة المفتاح الصحيح واستخدامه، فالأمر في حقيقته ليس في أن تأكل قليلاً فقط، ولكن أن تأكل بصورة جيدة وصحيحة ثم أن يضاف لذلك شيء من النشاط البدني.

أن ممارسة أي حمية غذائية ترتبط ببعض السلوكيات الإيجابية كممارسة المزيد من النشاط الرياضي وخفض استهلاك الأغذية المرتفعة السعرات الحرارية.

وبادئ دي بدء، أرى لزاماً أن أشير إلى بعض المفاهيم التغذوية لأهميتها بالتوعية الشاملة:
• البيانات الإيضاحية التغذوية: وصف توضيحي موجه للمستهلك للإعلام بالخصائص التغذوية الدالة على العناصر الغذائية والمعلومات التغذوية لغذاء ما، وتتكون البيانات الإيضاحية التغذوية من مكونين:
– إيضاحات حول العنصر التغذوي – إعلان العناصر الغذائية.
– معلومات تغذوية إضافية / تكميلية.
• الإيضاح التغذوي: بيان موحد أو قائمة بالعناصر الغذائية التي يحتويها الغذاء. SFDA.FD 2233 /2018

• السعر الحراري “أو الطاقة” هو وحدة قياس للطاقة، وتعريفه العلمي: هو كمية الحرارة اللازمة لرفع درجة حرارة جرام واحد من الماء درجة مئوية واحدة.

وقد استخدمت هذه الوحدة القياسية لتقدير كمية الطاقة التي ينتجها الغذاء داخل الجسم، فعندما نقول إن جراماً من البروتين يعطينا 4 سعرات حرارية، فإن هذا يعني أنه لو تم حرق جرام واحد من البروتين فإنه سيولد طاقة كافية لرفع درجة حرارة جرام واحد من الماء 4 درجات مئوية، وهكذا الكربوهيدرات يعطي 4 سعرات وجرام من الدهون يعطي 9 سعرات، وأجسامنا قد تحتاج إلى هذه الطاقة المنتجة بصورة مباشرة على هيئة حرارة أو حركة، أو إذا كانت زائدة على الحاجة فإنها تخزن على هيئة دهون في الجسم، ويمكن الإشارة هنا إلى أن الوحدة الحقيقية التي تستخدم لقياس الطاقة هي الكيلو كالوري، وتعرف بأنها الطاقة اللازمة لرفع درجة حرارة كيلوجرام من الماء درجة مئوية واحدة.

الطاقة متطلب حيوي لكل كائن حي، ولكنها عندما لا تستهلك في النشاطات الطبيعية أو الفسيولوجية للجسم فإنها تبقى إما كنسيج دهني وإما في هيئة جليكوجين يخزن في الكبد، وهذه المخازن ضرورية للجسم تتحرر الطاقة منها عند احتياج الجسم إليها، ولذلك لا يجب الإفراط في تناول الأغذية الغنية بالسعرات الحرارية.

ولنعلم أن الطاقة يصرف نصفها لأداء وظائف الجسم الأساسية كالتنفس وحركة القلب واستقلاب الخلايا والحفاظ على حرارة الجسم ثابتة، ونصفها الآخر يصرف لأداء الأعمال الحركية والنشاط البدني، فإذا كان هناك توازن بين المدخول والمصروف بقي وزن الجسم ثابتاً، وإذا زاد وزن الجسم أو نقص دل على أن الشخص يأخذ أكثر من حاجته أو أقل، وإذا رغب الإنسان في الوصول لوزن طبيعي يتناسب مع طوله فليس أمامه إلا الغذاء المتوازن وزيادة النشاط الحركي.

هل للعمر أثر في حرق السعرات الحرارية؟ ربما! فالشخص الكبير في العمر يحرق من السعرات الحرارية نفس ما يفقده الشاب؛ وذلك إذا تناول كل منهما وجبة تحوي 250 إلى 500 سعر حراري.

ولكن! إذا كانت الوجبة بها 1000 سعر حراري فإن الأمر يختلف، فالكبير سناً يفقد من السعرات الحرارية كمية تقل عن الشاب بمقدار 60 سعراً، وهذا يعني أنه كلما كانت الوجبة مرتفعة السعرات تفوق الشاب في حرق السعرات، وكلما ضعف الكبير في حرق السعرات، بقي في جسمه زاد وزنه.

تتغيّر حاجتك إلى الطاقة وفقاً لتغيّر مراحل حياتك، فعلى سبيل المثال تحتاج مرحلة النموّ إلى طاقةٍ كبيرة جداً، إذ يستعمل الطفل طاقةً أقلّ من تلك التي يستعملها البالغ، إلا أنك في حال قارنت حاجتك إلى الطاقة بوزن جسمك، لتبيّن أن الطفل يستعمل نسبةً أكبر من الطاقة قياساً بوزن جسمه.

• تأكـــد مـــن كميـــة الســـعرات الحراريـــة في الحصة الواحدة للمنتج حيث تعتبر:
400 سعرة حرارية أو أكثر: مرتفعة.
100 سعرة حرارية: معتدلة.
40 سعرة حرارية: منخفضة.

• حجم الحصة الغذائية المدرجة في جدول “الحقائق التغذوية” قد تمثل حصة غذائية واحدة أو أكثر، ويحدد حجم الحصة بـ ( كوب/ جرام/ مل/ قطعة/ ملعقة ) حسب مادة المنتج.

ماذا تعني الحصة؟ تعني على – سبيل المثال – أن الشخص الذي يأخذ كوباً من الحليب على الإفطار، قد أخذ نصف حصة، فعليه أن يأخذ في العشاء نصف حصة ايضاً، وقس على ذلك.

• تأكد من حجم الحصة وعدد الحصص في كل منتج واختر الأنسب، المنتج الواحد قد يحتوي على أكثر من حصة.

لنظام غذائي يحتوي على 2000 سعرة حرارية/اليوم.

“دليـــل البطاقة التغذوية – الهيئة العامة للغذاء والدواء”.

معدل استهلاك الفرد من السعرات الحرارية في المملكة العربية السعودية قبل ثلاثين عاماً يعادل 1807 سعرات وارتفعت مع مرور الزمن بتغير نمط الحياة إلى ما يعادل 3184 سعراً، وفي هذه الفترات قفزت أمراض القلب والكلى والكبد وداء السكري وارتفاع ضغط الدم والسرطان إلى الصدارة في قائمة الأمراض المسببة للوفاة.

وبصفة عامة كمية الطاقة التي يحتاج إليها الرجل والمرأة إذا كان وزن كلّ منهما طبيعياً، ولا يحتاج عملهما إلى بذل أي مجهودٍ يذكر أو كثير من الحركة تعادل 1900 – 2500 كيلو كالوري/ اليوم.

ولا بدّ من الإشارة إلى أن زيادة مستوى النشاط والحركة أثناء العمل بسبب القيام بأعمال، وتمارين إضافية يستلزم أيضاً زيادةً في الطاقة.

هناك اختلاف بين الأفراد في حاجتهم للطاقة حسب وزن الجسم، وفئتهم العمرية، وظروفهم الصحية، فهناك أناس يحتاجون إلى سعرات عالية بينما آخرون يحتاجون إلى سعرات متوسطة، وأخيراً أناس يحتاجون إلى سعرات منخفضة.

ماذا تشكل لنا الأخطاء الغذائية من خطر على الصحة العامة؟

نحن في عصر حافل بمتشابكات العلوم والتقنيات التي قلبت الأرض وحرثتها لتدفع لنا بإنتاج غذائي مهول تعانقت فيها أخطار كثرة الأكل، وقلة الحركة، وتلاشي البركة، شكلت بالفعل أخطاءً قاتلة، من مفطحات الدسم واللحوم الحمراء مع وجبات الدجاج المقلي المشبع بالسمن النباتي إلى مدمني الأندومي والبيتزا مع أقراص الشاورما المغموسة بالسموم الغذائية.

سكاكر مصنعة وحلويات شرقية وغربية وشيكولاتة ومشروبات غازية ووجبات سريعة وخفيفة وبقية القوائم الفارغة، هي أكثر الأطعمة تشبعاً بالسعرات الحرارية، عوامل زيادة الوزن والسمنة، والأمر يحتاج إلى توضيح:
الشوكولاتة هي قطعة محشوة بالسعرات الحرارية حشواً، ويمكن مقارنة ما تعطيه 100 جرام من الشوكولاتة مع المواد الغذائية الأخرى، لمعرفة هذه الحقيقة، فنحن نتهم البطاطس المقلية بأنها تزودنا بسعرات عالية إلا أنها ما زالت أقل بكثير مما تزودنا به الكمية نفسها من الشوكولاتة، قكل 100 جرام بطاطس تزودنا بحوالي 328 سعراً حرارياً، في حين أن 100 جرام من الشوكولاتة تزود الجسم بحوالي 512 سعراً حرارياً، فإذا تركنا أمر حقيقة ما تحويه الشوكولاتة من سعرات وانتقلنا للأمر الآخر الذي في حاجة إلى توضيح فيمكن القول بأن زيادة الوزن والسمنة عبارة عن عدم توازن في كمية الطاقة المأخوذة من الغذاء وكمية الطاقة التي يحتاج إليها الجسم يومياً، فكلما زاد الإنسان من الطاقة المأخوذة عن حاجته كان ذلك زيادة في الوزن، هذه هي القاعدة العامة.

ففي هذا الإطار يمكن التعامل مع الأغذية بمقدار ما تحويه من سعرات، وخصوصاً لمن يرضخ لبرنامج تخفيف وزن معين، فهي تختلف من فرد لفرد، ولكن تبقى معرفة المستهلك بالحقائق التغذوية المدرجة ضمن البيانات الإيضاحية للمنتج، وإدراك أبعادها عاملاً مهماً في التعامل معها.

أصبحت مطاعم الوجبات السريعة تقدم لنا الهمبرجر والدجاج المقلي والبيتزا والبطاطس المقلية والسجق والصلصات والمايونيز والخلطات السرية والحلويات والمشروبات الغازية، إنها شر كلها كون المشكلة تتعدى سعرات حرارية متراكمة، بل علاقتها بأمراض عديدة أمسكت بخناق الناس، السمنة، السكري، ضغط الدم.

تعتبر المشروبات الغازية والصناعية من الصناعات المدمرة والسبب يبدو تراكمياً، فمئات البحوث والدراسات أثبتت أن المشروبات الغازية المشبعة بالسكر والمحليات الاصطناعية تساهم بحوالي 16% من مجموع السعرات الكلية ؛ تلعب دوراً رئيساً في هشاشة العظام ونقص الأملاح الضرورية، والسمنة، وتعطيل عمل بعض أعضاء الجسم، وتسوس أسنان الأطفال، ولكن الأسوأ من كل ذلك لمن يعانون بأمراض الدم، ومن مهبط صناعة الكولا صنعت المشروبات الخالية من السعرات مثل “الدايت كولا” أو “الدايت سفن أب” باستخدام بدائل السكر والتي اكتشف بعلاقتها بأنواع السرطان.

الاستهلاك المفرط لهذه الأطعمة المشبعة بالسعرات الحرارية، شجعت الجسم على تخزين السعرات في صورة شحوم، لذا نحرص على تخفيض عدد السعرات الحرارية التي نحصل عليها في اليوم بهدف تخفيض الوزن الزائد.

كثير منا – للأسف الشديد – يأكل من حيث الكم أكثر من الكيف، وديننا الإسلامي الحنيف أوصانا بالاعتدال في الأكل {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [ الأعراف، الآية 31].

كن يقظاً فإن المشروبات الغازية والعصائر المحفوظة وأطباق الحلوى والوجبات السريعة والأغذية المحفوظة تحتوي كميات كبيرة من الطاقة وقليلاً من العناصر التغذوية.

وكن واثقاً بأن طعاماً طازجاً منخفض السعرات سيكون له الأثر الكبير في إطالة عهد شبابك، وتعيد إليك القوة.

أغلب أطعمتنا اليوم تضيف الكثير من السعرات الحرارية أكسبتنا وزناً زائداً، عملياً يعتبر التخلص من الوزن الزائد دون أن نضطر إلى المعاناة ممكناً، فقد اكتشف الباحثون أن انواعاً معينة من الأطعمة المنخفضة السعرات الحرارية تجعلنا نشعر بالامتلاء إذا قمنا بإضافة أطعمة تحتوي على وزن عالٍ، أي تلك التي تحتوي على كثافة أو وزن عالٍ لكل سعر حراري وأفضل تلك الأنواع هي المواد التي أساسها نباتي مثل الفواكه والخضراوات الطازجة والحبوب الكاملة والبقول الغنية بالألياف، وتشغل هذه الأطعمة مساحة كبيرة في الطبق الصحي، هذه البُنية نفسها هي التي تملأ أمعاءنا وتؤخر عملية الهضم لدينا وتعطينا إحساساً أكبر بالشبع.

وخلاصة لكل ما ذكرنا، فإن “الاعتدال والاتزان” يجب أن يحكما نهج حياتنا، وخاصة في ما يتعلق بما يدخل جسمنا من غذاء، تجنباً للوقوع في سباق السعرات، والتي لا ينفع معها أي حلول!!

والسؤال هو: هل نحن نحتاج إلى العودة إلى عصر الشح والإمكانات البسيطة حتى تعود أجسامنا – رجالاً ونساءً – إلى غصن البان؟! أليس هناك من حل؟!

لقد سئم الناس من أجهزة التخسيس والجري والمشي والوجبات المجهزة والعقاقير والعلاج الجراحي ووسائل أخرى.

الحل السليم هو أن نمنع أنفسنا من أكل الطيبات إلا بحدود السعرات التي نحتاج إليها لجهد اليوم، وهو جهد في أحسن الأوقات لا يحتاج إلا نصف ما نتناوله من طعام، فهل هذا ممكن أم مستحيل؟!


منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.



error: المحتوي محمي