دائما يقال الكتاب واضح من عنوانه وأنا أقول هنا الموضوع واضح من عنوانه, لا أنوي من خلال هذا العنوان أن أنشط أو أثير تطفلك عزيزي القارئ, فأنا أدرك جيدا الترسبات السلبية الناتجة من وراء قراءة هذا الموضوع, وأدرك أيضا إن اختياري لهذا العنوان المباشر المكشوف بوضوح لا يأتي على طريقة التلاعب بمشاعر وخواطر القارئ, لتنتهي بعدد من القراء ما يفوق المتوقع! فقلمي يتأبط أوجاع نفسي لأبادر كتابتي عن قوة وقدرة, وهذا تجاوزا لحلمي لتصبح كل كتاباتي واقعية اجتماعية, وهكذا الكتابة عن القطيف وعن أهلها يأكل أصابعي, وهاجسي الذي يحرك سكوني الداخلي لمعالجة أي موضوع يظهر الإبداع الإنساني.
أكتب من خلف سواد الليل وتعتريني رجفة بين أصابعي وتتوه مني السطور, بسبب بعض الإشاعات التي تتوطن بالذهن وتلوث النفس وتترك ضحاياها بأي حال! أعذروني لو ارتفعت صرخاتي هنا وملئت هذا الفضاء صخبا واحتجاجا لا حد له ليبقى هناك حدود وقيود, لك الخيار يا قارئ العزيز أن تغلق هذه الصفحة وتنتقل لموضوع غيره, ولأنك ما زلت تقرأ هنا فهذا يشعرني بإصرارك على قراءته, لم أكن أنوي أن اكتب عن هذا الموضوع أبدا نظرا لحساسيته, وما طلبي لك بعدم القراءة فإني لا أريد أن أعكر صفو قهوتك أو أمزج جمال يومك بسواد كتابتي هذه!
من المخجل والمؤسف إن يختلق المسلمون بعض القصص ويصدقوها, و أعتقد البعض منا قد سمع إشاعة إسلام رجل الفضاء الأول ارمسترونج وسماعه الآذان عند هبوطه على سطح القمر, وبعد ثلاثين سنة سمع نفس النداء الله أكبر ا أثناء وجوده في وسط القاهرة, وتذكر تلك اللحظة الهامة وأعلن إسلامه وبعد أيام قررت وكالة الفضاء الأمريكية فصله من وظيفته بسبب إسلامه رغم الحرية والديمقراطية ,وهكذا تنتشر بعض الإشاعات للمشاهير ثم بعد فترة يبادرون بتكذيبها فكيف لذلك الرائد يسمع الآذان ويسلم ويفصل من عمله ويصمت دون احتجاج أو تشهير ؟! وهنا سأكون مباشرة جدا مع الموضوع إلا إني لم ألتو من قبل ولا أحب الالتواء, موقنة تماما إن القارئ لا يرضى لي أن أكتب تجملا أو نفاقا, وهذا عزائي وهو دليل ارتقاء نفوس القراء, وأحسبه نبلا مما يجعلني لا أتردد من إظهار ظاهرة الإشاعات هنا بشكل ملموس وألتمس العذر من الجميع .
إذا تلك الشائعة كان ينبغي إن تثير الضحك والسخرية وتبدو اللامنطقية واضحة, و رغم ذلك فقد فوجئنا بها تنتشر وتنتشر ومع انتشارها ذهب البعض لينسج مبررات أكثر سخافة, “عفوا” لإقناع الآخرين بأن ذلك الرائد بعد سماعه نفس الآذان قد أسلم, إنه أمر ينفر ولا يجذب وهو تبرير غير منطقي ومن السخف إن الناس صدقت ورود تلك الشائعة وأثبتت قوتها رغم عدم صحة الخبر, ولعل من أطلق تلك الشائعة قد يغرق من الضحك والسخرية على هؤلاء المجانين, وسحقا لتلك الشائعة و على الرغم من كل ما قيل ظل هناك من يصدق! وقد تجاوزت الشائعة الخط الأحمر رغم إننا نعتبرها شائعة بيضاء وأيضا الشائعة تبقى شائعة.
ما هذه السذاجة! نحن نصدق كل ما يقال وهل هذا قدرنا أن نتعامل مع مبدأ وسياسة النسخ واللصق والقال والقيل, وهكذا الشائعات من السهل إن نطلقها ومن الصعب إن نوقفها وهنا تكمن الكارثة! هذه مجتمعاتنا تعاني من مشكلة ترويج الشائعات وهي موجودة بوجود الإنسان, وذلك لأن من طبيعة النفس البشرية تصاب بأمراض اجتماعية كالحسد والغيرة والكره, ومنذ إن خلق الله المرء وجد معه الصراع الذي يستهدف البشر بأسلحة باردة تصيب جسد الإنسان وثقافته وهويته, نحن في زمن ومجتمع قالوا وقلنا أصبحنا نعيش في حالة من التذبذب والضياع.
وهذه الإشاعات إحدى الوسائل التي يعبر عنها الإنسان تجاه الآخرين, يقولون ويقولون ويقولون هذه الوكالة المزيفة الرخيصة الهابطة الغير شرعية, وكالة يقولون لن تنتهي ولن تتوقف وهكذا تبدأ سلسلة الأقاويل بكلمة أو خبر, قد يكون الخبر صحيحا ولكن البعض يزوده ويطعمه بكلمات وبسرعة فائقة, تنتشر وتلك الكلمات ما هي إلا حروف تتجمع وتتشكل في إشاعة موجعة كل الوجع, وكأنها رصاصة تخترق جدران منازلنا كثيرا ما تترك أثرا سلبيا من الداخل, هو أمر يذاع بين أوساط الناس ولا يكون له أصل في الواقع وذلك لتحقيق غايات معينة أو التأثير على معنويات ألآخرين.
تلك الشائعات قد تكون مغرضة تخرج من نفس حاقدة لإثارة الفتن, والتي تستهدف بشكل شخصي لأشخاص يملكوا المؤهلات, التي تثير حفيظة ذوي النفوس المريضة وتجعله تحت المجهر, ولا تجد صدى إلا عند فئة ضعيفة النفس تجد متعتها بالأحاديث الكاذبة على الناس, وخاصة على الإنسان الناجح بسبب الفراغ والسطحية وكثرة الثرثرة, وعليه أن يدرك إنها ضريبة النجاح ولا بد من الصبر فالنجاح يزعج البعض لكن لا يعطيهم الحق في خلق وتأليف أكاذيب ملفقة جائرة.
بعض الشائعات تلهب عواطف الكثيرين ولن تكون الأولى ولا الأخيرة,ولكنها هادمة قاتلةّ ذات لون أسود قرينة الكذب وبخط عريض كأنها فيروس, تصيب الناس بمرض “أنا أكرهك وسأدمرك ” تلك الجرثومة البغضاء تتغلغل في الجسد البغيض لا تفرق بين هذا وذاك, وتنتظر تلك الجرثومة الفرصة للتعبير عن ذاتها وما أكثر الفرص في هذا الزمان بل وفي كل زمان ومكان, ولكن العاقل من لا يمنحها الفرصة ولا يعطيها مجال الانتشار.
ولقد حرم الإسلام ترويج الشائعات ووجوب التأكد من صحة الخبر قبل نشره, ولم يكن هناك أيام الرسول الكريم لا تلفون ولا صحف ولا وسيلة أعلام ولم يسلم الرسول الكريم من الشائعات,وأكثر الناس تعرضا للشائعات الكاذبة هم الرسل والمخلصون والأصفياء وهذا ثابت منذ فجر الإسلام والإنسانية, حيث الإشاعات ليست غريبة على المجتمع العربي فهي دائما موجودة ومتناقلة على الألسن, وبدأت تنتشر بكثافة رهيبة وسريعة وأجزم على الذي ساعد على انتشار الإشاعات, الوسائل التكنولوجية كالهواتف والإنترنت وكأنها قنبلة موقوتة. الإشاعة مرض ليس جديدا له جذور في التاريخ و كان للإشاعة سوق رائجة منذ زمن بعيد, وكأنها موضة وظاهرة لتثير الناس بالإشاعات والفضائح.
ليس هناك فن من فنون الكذب يرقى إلى مستوى فن صناعة الشائعات, ولا يوجد كذابون أمهر من مروجيها وهؤلاء المروجون يفرقون أنفسهم بإحساس التميز والتعطش دون تعب بل دون حياء دون خوف الله, ولكن يميل الكثيرون إلى تصديق الإشاعة وبسرعة دون الرجوع أو المحاولة لمعرفة الحقيقة, و خطورة الإشاعة لا يمكن حصرها إلا من خلال ممارسة الشفافية والوضوح, وهكذا الفضول يقتل حسا جميلا ويتمثل في عدم ترك الناس في حالها, فالناس تعرف أخبار الآخرين الخاصة والعامة بأدق تفاصيلها وتبني الإشاعات حتى تصبح شبه حقائق.
في خاطري بعض الاستفسارات التي تشغلني وليتني أحظى بردود واضحة!
• هل مروج الإشاعات شخص يتمتع بصحة نفسية سليمة؟
• هل تعتبر الإشاعة ظاهرة صحية؟
• هل تتفق معي بأن هؤلاء المروجون خفافيش سامة؟
• هل هناك مصنعا يقوم بإعداد هذه الإشاعات وتسويقها؟ولمصلحة من؟ ما الفوائد وما الأضرار؟
• هل صادتك إحدى الشائعات؟ ماذا لو تعرضت يوما لإطلاق إشاعة عنك؟
• ما سر عشق الناس لإثارة تلك الشائعات؟
• هل تهوى الشائعات أو تصدق بعضها؟
• إلى متى تكف البشر عن ترويج الشائعات ومن يعاقبها؟
• كيف تصدق بما هو صادق أو كاذب أهو تسلية أو تنفيس؟
ولتكن الردود فأنا أحي نزاهتك في عدم جلب الشائعات أو تسويقها, أرى إن كثرة مروجي الإشاعات تلزمني بأن أذكركم بهذه الآية الكريمة : يأيها الذين آمنوا أذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا إن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين. صدق الله العظيم
تنطلق الشائعات دوما من بؤرة مجهولة يصعب تحديدها, فالشائعة يمكن أن تبدأ من بيت مريض أو من فم حاقد, والاستهانة بالشائعات خطأ فادح مهما بدت الشائعة تافهة, حادثة ما تبدأ بكلمة يقولون أو سمعت وتنتهي بالناس قالوا أو سمعتهم يقولون, و لا زلنا نعاني من خطر الإشاعات المدمرة حتى أصبحنا لا نعرف الحق من الباطل والصواب من الخطأ, ولكن المنهزمون هم الذين يتفننون في نشرها لتحقيق هدف لا علاقة لها بشعار مرفوع ولا بمبدأ مطروح, ولكن ليطمئن الإنسان هو إنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح .
أخشى أن أتفاجئ ليلا وأنا أحتسي قهوتي بإطلاق إشاعة باختفاء القهوة من السوق, وليكن تأثيرها فهي أخيرا كلمة مبهمة نضع حولها دوائر حمراء للإيضاح, فلا تلوموني حينما اكتب الكثير عنها ولعل البعض ينتقدوني في الإطالة أكثر مما يجب! أغلبنا على درجة من الوعي بحيث ندرك ليس كل ما يشاع صحيح, ولابد من التحقق من صحة الخبر ثم نساهم بنشره دون خوف من الله أن نكون سببا في ظلم الآخرين, ها نحن نرى كل يوم شخصيات محترمة تسقط وشركات تنهار والسبب وجود شخص مغرض أو حسود. كفانا إشاعات وأقاويل لنحاول إجهاض الشائعات في مهدها وعلينا دفنها !كفى بالمرء كذبا أن يتحدث بكل ما سمع وعلى ناقل الخبر إن يتروى وليتأكد في كل ما يقال, وليحذر أن يبادر بالتصدي الفوري وتلك الإشاعة ناشئة طارئة بل كاذبة سرعان ما تخمد ووسيلة للتنكر لا تدوم طويلا.
نحن أمة مسبحة ذاكرة عابدة, لذا دعونا نقتحم الإشاعات ونسحقها ونربطها بالشياطين, ونفتح أبواب شهر رمضان ويبقى التمني بان نلتزم جميعا كمسلمين بما أمرنا الله تعالى, كتحريم الغيبة والنميمة لنرتاح من الشائعات وسلبياتها لعلها تختفي وتموت, ونرد على هذه التساؤلات والتي هي إحدى محطات صحوة ويقظة الضمير, تلك الشمس الحقيقية الحارة التي تذيب الإشاعات مهما كان حجمها أو برودتها. أين التعاليم الإسلامية؟ أين القيم الإنسانية؟ أين المبادئ الأخلاقية؟ دعونا نطبق التعاليم السماوية .
وفي الختام أردت أن أقدم اعتذاري قائلة: يا قلبي لا تحزن وسأرسل من هنا صرخة ونداء وتوسل أصرخ بأعلى صوتي, ويكاد قلبي وصوتي يصل للسماء وأقول كفى ثم كفى ثم كفي يا مسلمي العالم لم كل هذا الضجيج بتلك الشائعات؟! لم كل هذه الشائعات والأكاذيب؟ لعل أحد يجيب, ولكني في معظم الأحوال مؤمنة بدعوة لن أمل من نشرها أبدا, لا للإشاعات والأكاذيب نعم للعدل والحق والحب, لنجعل الحب والجمال والخير والنور هويتنا وغايتنا, لتتعانق الأرواح وتتشابك القلوب وتشق طريقها إلى السماء, تحمل نفحات عبير الصائمين ويفوح عطرها في العالم الآخر وتتساءل الملائكة عن تلك الحركة المباركة والمناجاة العذبة, لتقبل أعمال المسبحين في شهر الله الكريم لتذوب أرواحنا في نصرة الدين.