وأنا أرتشف قهوتي في آخر صباح من عام 2020، أثارني عدد هائل من التهاني للعام الجديد، فقمت بالتجول هنا وهناك أنا وفنجان قهوتي الذي أستمتع وتشرب التهاني مثلي، وسرقني الوقت ولم أدرك إلا وأنا أرتشف فنجاناً آخر، فلا عجب حيث إنني من أشهر المدمنات للقهوة!
ونسيت أنني هنا أحاول أن أعبر عن المشاعر الإنسانية الممزقة عند البعض، بسؤال مرعب أطرحه على نفسي، وفكرت في شأنه كثيراً: كيف سيكون عام 2021؟! نعم حيث كان عام 2020 مدهشاً للغاية، فمعه اللحظة سنة ومسافات! حيث لم يترك وجعا فحسب بل خلق وصنع جراحات! نحتاج لوقت ليس قصيراً نشفى منها، وكم نحن محتاجون إلى ترجمة حكايات وجراحات عام 2020 للكون كله.
وأخيراً انطوى عام 2020 وهو يلفظ تنهيداته، ومضيت استنشق كل إحساسي وأتذكر كل شيء حدث! بين إغفاءات البكاء الجريئة وشهقات الضحك الخفية، كيف أنسى نبضات وآهات حروفي لعام 2020، ونزيف قلمي الحائر بين الألم والأمل والحلم والتأزم.
بل كادت أن تكون أيامنا وليالينا متشابهة متداخلة، دون أن ندرك نهايتها ونحن نعيش لحظاتنا الثقيلة بكل شيء فيها، آملة أن لا ندخل تجربة أخرى، وعلي أن أعترف كل ما كتبته من مقالات نازفة لعام 2020، هو انعكاس لما يحدث ومحاولة لاستيعاب صدى الوضع الإنساني الصعب الذي عشناه، والتعبير عن كل شيء بصمتنا وبصراخنا، وكان يطوقنا وشاح الفقد والتوجس الذي لا يزال في منتصف آهاته، وسنبقى بصبرنا وبدعواتنا بغية الفرج وانصهار اليقين بالإيمان.
لا أدري على أي جرح نتكئ لنعيش واهمين بالتمني! ونحن دائماً متأخرون في تحقيق أمنياتنا وأحلامنا وآمالنا المزعومة من هول اللحظات برتابتها، وتشبثنا بمن نحب وبمن رحل! ولكننا لم نخطط لكل هذا( لفقد أحبائنا ولمرض أعزائنا ولقلقنا الشخصي) فنحن (كلنا) أصبحنا نتوكأ على جراحاتنا النازفة بصبر أيوب وبلا تخطيط أيضاً، ومع ذلك يتجلى فينا الإيمان رضا وقناعة بيننا!
يا ترى، هل كنا نخاف الموت والفقد وزوال الصحة؟ صدقاً ورغم إيماني وتفاؤلي إلا أنني لا أستطيع أن أحذف شيئاً مما حدث! ومن هنا أقول إنّ الأمر لا يزال مفتوحاً على احتمالات لا متناهية! ولا أبالغ لو قلت إن التفكير فيه يأخذ حيزاً كبيراً من اهتمامي وملامحي الإنسانية ولعل البعض يتقاسمه معي.
وهنا أعترف علناً أنه قدرنا نحن البشر أن نتكبد التعب الروحي والوجع القلبي، ليرى العالم مأساة البشر في 2020! قلوبنا لم تعد تحتمل كل هذا النزيف! لعلنا جبناء في التحمل والصبر وقد لا نجيد الصبر، رغم أن الخوف من الموت الذي يأتي على غفلة ولا يحق لنا أن نسألَ، لهذا البعض يموت مبكرا بالسكتة القلبية والبعض الآخر يموت قبل الحلم.
وأخيراً، توقفت عند عتبة العام الجديد ووجدت نفسي أدعوكم باستقباله بابتسامة، وننسى الأوجاع، ولنرتشف فنجان قهوتنا، ولنملأ الدنيا فرحاً ولنتبادل رسائل المودة والامتنان، ولنمرح ولنضحك ولو ليوم واحد، يوم نطهر فيه قلوبنا، وكل عام وأنتم جميعاً روح الحياة.