
يشكّل جانب العطاء والتبليغ والقيم السلوكية في حياة الزهراء (ع) مدرسة فياضة بالعبر والإشراقات، والتي لا غنى لأي سالك وطالب كمال عن التزود بها وجعلها نصب عينيه في كل حدث يتطلب منه قرارًا أو موقفًا أو منطقًا حكيمًا يتفوه به.
لندخل في مدرسة الزهراء ونقف متأملين بعين الحكمة و العقل فيما ينفعنا من دروس وعبر، تكون مناهج لحياتنا الدنيوية والأخروية، فمدرسة الزهراء ما هي إلا طريق النجاح للنساء والفتيات.
فمن تدّعي فعلًا محبة الزهراء والسير في طريقها لابد أن تكون في كل جنبات حياتها متمثلة بأخلاق الزهراء وصفاتها، فالزهراء كانت منهجًا تربويًا وسلوكًا عمليًا مع خالقها وفي بيتها وفي مجتمعها، حتى قال رسول الله (ص): ‘إن الله ليرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها”، فهل استحقت هذه الخصوصية فقط لصلتها برسول الله (ص)؟
لا، وإنما لما اتصفت به من صفات تجلت في شخصيتها الإيمانية النورانية، ونحن كنساء وفتيات ندّعي محبة الزهراء وأنها القدوة الأولى لنا، فلابد أن تتجلى صفات الزهراء ولو بشيء يسير في شخصياتنا وسلوكياتنا.
نبداً من علاقتنا بالله عز وجل (العبادة) لابد أن نكون مثال العابد الخاشع لله، فلا تكون تأديتنا لتلك العبادة فقط من باب الوجوب والخوف من العقاب على تركها أو الإخلال بها، وإنما عبادتنا لاستحقاق الله للعبادة والتقرب له بمختلف صنوف العبادات وهو المتفرد بها دون غيره، فسيدة نساء العالمين (ع) ما كانت تنفتل من عبادتها إلا لتأدية واجباتها الزوجية والأسرية والنظر في احتياجات أبنائها وبرنامجها التبليغي مع نساء أمة أبيها (ص).
وكذا في معاملاتنا مع بني البشر سواء على الصعيد الأسري أو المجتمعي بمختلف أصنافه وتوجهاته لابد أن تكون الزهراء هي النظير في ذلك، والسؤال: كيف كانت تتعامل مع بيتها وأسرتها وخصوصًا في علاقتها بوالدها رسول الله (ص)، فكانت نعم البنت البارة بأبيها تجلي كل همومه برؤيتها، والنظر في مبسمها المليء بالحب والعاطفة حتى سميت (أم أبيها)، و ما استحقت هذا اللقلب إلا لأنها كانت البنت والأم والأخت لرسول الله، كانت المستشارة في هموم أمته وما يلاقيه من مصاعب وهموم في طريق الدعوة والتبليغ.
وعلى صعيد بيتها فكانت تتجلى صفاتها النورانية في التربية والتعليم والمعاملة، وحسن التبعّل مع زوجها وإشاعة روح الحب في جنبات بيتها حتى أضحى أفضل البيوتات القائمة على ذكر الله تعالى، وقال أمير المؤمنين: “فوالله ما أغضبتني قط” في إشارة لمقام الكمال في العطاء والتعامل من الزهراء.
وكذا في مجتمعها أشاعت روح الحب والمساواة مع نساء مجتمعها، فما عاشت حياة الترفع والتباهي بأنها سيدة النساء وبنت رسول الله (ص)، فقد عاشت بأقل من نساء زمانها في ملذات الدنيا بكثير، عاشت حياة الزهد والتقشف وهي التي إن أرادت كنوز الدنيا لكانت تحت تصرفها، واستبدلت ذاك الحطام بالعلم والمعرفة ونشر علوم آل محمد، فكان بيتها مدرسة جامعة للعلوم والمعارف التي ترتقي بالفكر وتنير العقول.
كانت حريصة على تعليم النساء كي ترتقي بنساء مجتمعها ويكُنّ بالفعل من الكفاءات التي تنهض بالمجتمع، وتخرج أجيالًا من الأبناء والبنات؛ لتتباهى يوم القيامة بأنها من أمة محمد (ص).
الزهراء منهج قويم لكل فتاة تبحث عن السعادة الحقيقية التي تصل بها لرضا الله عز وجل، من خلال المحافظة على عبادتها وحجابها وبيتها وتكون صالحة في أمور دينها وآخرتها.