تتفق نسبة غير قليلة من المتخصصين في علم النفس، على أنَّ القلق هو مشاعر من التوتر الناتج من الخوف من شيء ما، وأن التهديدات التي تصيب الإنسان في حياته هي أهم ما يدفع إلى هذا الأمر، هكذا يمكن للمرض المهدد للحياة مثلا أن يصنع القلق، وهكذا يمكن أيضا لظروف الحياة القاسية التي تهدد استقرار حياة الإنسان في أمنه وصحته ومصدر رزقه، أن تدفع هي الأخرى لذلك، من هنا يمكن أن نقسم القلق إلى ما هو ناتج عن ظروف غير اختيارية، وآخر يتسبب فيه الإنسان لغيره، وما يعنينا هنا هو القسم الثاني.
الحديث عن صناع القلق، هو حديث عن أشخاص لا يقلون في خطرهم الاجتماعي عن أعتى المجرمين شراسة ووحشية، هذا لأن ما يتسببون به من ألم لمن حولهم قد لا يقل في أثره عما تتسبب به شتى أنواع الجرائم الجنائية، وأهمية وجود دليل واضح يتضمن تصنيفات للأعمال والسلوكيات التي تتسبب في القلق والخوف، هي لأن هذه الشريحة تمارس إرهابا مجتمعيا حقيقيا، ومع وجود خجل قانوني غير مبرر في هذا الجانب، فإن نسبة قد لا تكون قليلة من الناس تمارس هذا التصنيف من الجرائم، وكأنها عادة جبلت عليها.
يقودنا هذا الحديث قسرا إلى مصطلح الأمان الثقافي، وهو مصطلح أُعرِّفه –شخصيا- بالثقافة التي تحفظ وترسخ في الإنسان القيم والأخلاق الفاضلة أو لا تتصادم مع ذلك، وهو نقيض لتلك الثقافة التي تمنح صاحبها سلوكا استعلائيا يجعله ليل نهار في صدام حقيقي مع المجتمع، صدام مع عاداته وتقاليده وقيمه وأخلاقه، فكرة المصلح الذي يؤمن بـ«أنَّ الشجرة المثمرة هي التي تُرمى» متغلغلةً في ذهنه، بل يمكن الادعاء بأنَّها تشكل له طاقة دافعة.
فكلما واجهه المجتمع بردود أفعال عنيفة، أقنع نفسه بأنَّه المصلح الحقيقي، وهكذا هي دائما سيرة المصلحين في التاريخ، إنها المعاناة الدائمة مع أقوامهم، في حين أنَّ الحقيقة أنَّه لا يريد أن يسمع إلا ما ينطق به لسانه، وحينما يحدق بعينيه ويبدي الكثير من التركيز الظاهري مع المتحدث، فلأنَّه في الغالب يحسن تمثيل دور المنصت فيما هو ينتظر بفارغ الصبر دوره في الحديث، ليعيد ما تم الرد عليه مرارا وتكرارا دون أن يسمعه ويفهمه بملء إرادته.
في تصوري، أنَّ العقل النرجسي المستحكم في بعض الناس يدفعهم ليكونوا صناعا حقيقيين للقلق، إنهم إذا كانوا أصحاب عمل متنفذين، فإنَّهم يحسنون إيذاء الموظفين بكل وحشية، وإذا كانوا مثقفين يتعاملون بكل سادية مع الآخرين، إنهم مرضى حقيقيون يمارسون عقدهم النفسية على المجتمع، وحالما يصر هؤلاء على عدم الاستماع لنصائح الناصحين، فإنهم سيظنون دائما أنَّهم «الشجر المثمر تحت الثلج» فيما حقيقتهم البحتة هي أنَّهم مهرجون لا يمكن أن تسود في مجالسهم ومنابرهم إلا المهاترات والأحاديث الفارغة.
المصدر: آراء سعودية