نعيش هذه الأيام فترة اختبارات أبنائنا الأعزاء بصورتها الجديدة (عن بعد) التي فرضها ذلك الوباء المقيت عافانا الله وإياكم، وأبعدنا عن خبثه وشروره.
وبسبب حربه الكونية علي جميع بني البشر قاطبة بلا رحمة، بل كانت حرباً ساحقة ماحقة لم يستثن فيها أي أمة علي هذه المعمورة، ومن هذا الواقع المرير تولدت عدة نتائج سلبية مع شديد الأسف، منها ظاهرة الغش في الامتحانات، بل أصبحت منتشرة في بيوتنا وهذه حقيقة مؤلمة بلا شك، وهذا نتاج ما أفرزته تلك المعضلة العصيبة نتيجة ذلك الوباء القاتل.
وهي من أكبر المشكلات التي يواجهها التعليم والمعلّمون، وأكثرها تأثيراً على الطالب من حيث تدني المستوى التحصيلي والمعرفي وبالتالي على المجتمع بشكل عام، إذ غالباً ما يجتمع الغش مع سلوكيات سلبية وأخلاق ذميمة، مثل الكذب والخداع والمراوغة.
وتلك الصفات المحرمة لا شك أنها أحد عوامل الإخلال بالمنظومة المجتمعية، فاعتياد الطالب على هذا النوع من السلوك الخاطئ سيدفعه للاستمرار كذلك في دراسته للمرحلة الجامعية، وحتى في مقابلة حصوله على وظيفة لاحقاً، وهذا ما يجعله فرداً سلبياً اتكالياً خاوياً فكرياً ومعرفياً لا يحمل أي ثقافة على الإطلاق، ويعتمد دوماً على غيره، ولا يتصف بالفاعلية والإبداع والإنتاج ولا يخدم أية مؤسسة يعمل فيها مستقبلاً، ولذلك يعد هذا النوع من الأفراد مصدر خطر لأي مكان يتواجد فيه وينظر له على أنه عامل هدم لا بناء.
ولكن ما هو مؤلم ومؤسف في حقيقة الأمر أن تلك الآفة أصبحت موجودة في بيوتنا، وبات الكثير من الآباء والأمهات يتغافلون عنها بشكل أو بآخر، بل ما هو أعظم من ذلك وصل الحال لفئة لا يستهان بها من أمهاتنا العزيزات هي من تبادر بالإجابة عن الامتحان بدل ابنها، والبعض يستعين بأخواته وذلك على مسمع ومرأى من الأبوين، بل لا نبالغ إن قلنا هناك من يقترحون ويشجعون ويباركون تلك الخطوة بحماسة شديدة.
وأيضاً يوجد من يجعل حل الاختبار بشكل جماعي، أي جميع أفراد الأسرة يشاركون في إنجاز الاختبار الخاص بابنهم، ناهيك عن ظاهرة جديدة تجمع مجموعة من الشباب في المقاهي العامة وقت الامتحان ويكون هذا المقر هو بمثابة قاعة الاختبار وبالتالي الكل يدلو بدلوه.
هذا بالإضافة إلى استخدام مجموعات كبيرة إن لم نقل الجميع من أبنائنا الطلاب برنامج الواتس آب، لتبادل الإجابات فيما بينهم، وكل هذا ليس ببعيد عن مسامع أولياء الأمور.
ويجب أن نعلم أن هذا الوضع عبارة عن جريمة كبيرة نرتكبها تجاه أطفالنا، ونحن بهذا السلوك الخاطئ نسعى لتدميرهم.
ولكن السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه هنا؛ هل ما نقوم به من تصرف تجاه الأبناء في هذا المضمار صحيح؟ الجواب لا شك أنه ليس صحيحاً على الإطلاق، فهذا العمل يعد مخالفاً لأخلاقنا كآباء وأمهات وكذلك هو خطأ كبير جداً في حق الأبناء، فنحن محاسبون ومسؤولون أمام الله سبحانه وتعالى عن تربيتهم وتعليمهم والاهتمام بجميع شؤونهم، فهذا واجب شرعي، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ {سورة التحريم الآية ٦}.
فعماد الأوطان وأوتادها هم الأجيال الصاعدة، فكلما أولينا القاعدة اهتماماً كلما كانت راسخة بشكلها المطلوب، وكلما أعددناهم إعداداً متيناً قوياً كلما انعكس ذلك إيجاباً على مستقبلهم لينالوا ويتمتعوا بحياة كريمة تليق بهم، وهذا لن يتحقق إلا بالعمل الجاد والدؤوب والاجتهاد الخالص لوجهه تبارك وتعالى، وبهذا يصبح الوطن بهم قوياً شامخاً مقتدراً يتباهى بين جميع الأمم.