
في القصة، التي جاءت بعنوان “من يملك قلب سلام”، يستشف المُتأمل فيها أنها برغم قصر أحرفها، إلا أنها تحمل بين طياتها اتساعًا كبيرًا في المعنى المُراد إيصاله.
وقبل أن نُبحر رغبة في القصة، يجدر الإشارة إلى أن الكتابات المُوجهة، التي يُراد منها النُصح والإرشاد، تأتي في قالب القصة أو المقال القُصصي، لتتم الاستفادة من الحبكة الدرامية من خلال الجذب العاطفي، بكون المُتلقي في الجزء الأغلب منه، عاطفي بدرجة امتياز، تٌؤثر فيه الحكاية، وقد تُغير من سلوكه، أخلاقه، وأفكاره.
وتحكي القصة عن الطفلة سلام، التي كانت تدرس في مدرسة “تي آرو”، المدرسة، التي تضم الجاليات المُختلفة ممن يعيشون في نيوزيلندا.
نقتطف من القصة:
أجابتني بهدوء: لا شيء يا أمي، إنها -الكدمة-، لا تُؤلمني، لكن حفيدي “سجاد”، أجاب عنها، كعادة الأطفال: “ماما عودة”، لقد ضربها إبراهيم على وجهها.
كانت تجلس بعيدًا، فوجهت سؤالي لها: ولماذا لم تُخبري المُعلمة؟
أجابتني بكل حزم: لا أريد أن أخبر المُعلمة.
ولماذا لا تُخبرينها؟!
لأنه طفل يتيم، والمُعلمة دائمًا، تُعاقبه، وأخته الكُبرى، تضربه دائمًا، إنه ولد مسكين، لا أحد، يُحبه.
وأكملت الكاتبة سرد القصة: تفاجأت من ردها، ولم أستطع الرد، ووقفت حائرة أمام هذه الرحمة والصدق، الذي يملكه قلبها الصغير، لدرجة أنها تتحمل الأذى في سبيل العناية بزميلها اليتيم.
واختتمت بقولها: احتضنت طفلتي، ورحت أتمتم بداخلي: لو كنا نملك قلبًا، كقلبك يا سلام، لعشنا بسلام.
ونزولًا عند مقولة: ما ينبغي أن يكون، التي تُشير إلى الموقف، الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان في لحظة ما، والكلمة، التي يُفترض أن تقال في موقف ما، تأتي الكاتبة نرجس الخباز، لتُعطينا من خلال هذه القصة، ما ينبغي لنا أن نكون.
أن نأخذ من براءة الطفولة، من نضارة قلب سلام، لنتألم، ولكن لا نُشعر الآخرين بالألم، وإن كانوا، هم الذين غرزوا الألم في قلوبنا، أن نتعلم من قلب سلام، كيف نُحب الحياة، ونعشق الآخرين، أن نتعامل معهم بكل لطف، فلا نجرح قلوبهم، فقد يكون هذا الإنسان، أصبح مُشاكسًا، لا يحترم الآخرين، لا يُقدر خصوصياتهم، لظروف يُعاني منها -وعلى سبيل المثال لا الحصر-، ظروف أسرية خارجة عن إرادته.
الآن، وأنت تقرأ كلمات سلام، تمر، كالطيف، بعض المواقف من حياتك أمام عينيك، تتمنى لو أن الزمن يعود، لتأخذ من قلب سلام نبضها، وأسلوبها، وتكن أنت، كسلام، يبدو أننا الآن، نتحسر على مواقف أخذها الوقت في حياتنا، فلن تعود، مُجددًا، وهل ما مضى يعود؟
بين أن نجرح شعور الآخرين، وبين أن نكون بلسمًا لهم، ثمة غيمة زرقاء ماطرة، تتساقط حبيباتها على التراب، لتفوح رائحة البنفسج، وتستظل حدائق العينين بالخُضرة، وتُثمر النُخيلات رُطبًا، هي، أن نملك قلب سلام.
ذات يوم، سأله صديقه: لماذا لا ترد السلام على صديقنا، أجابه: أنا لا أحب التعامل معه، إنه إنسان أناني، لا يُحب إلا ذاته، أنا جاره، وفي أمس الحاجة إلى مساعدته، لا أرى منه إلا إلقاء السلام، والسؤال على أحوالنا، لكنه لا يُبادر إلى مساعدتنا، احمر وجه صديقه، لاحظ تغير ملامحه، حاول أن يستدرجه في الحديث، أبصر بعض دمع على وجنتيه، فأوقفه ما سمعته أذناه، حيث قال له: يا صديقي، هل تعلم أن المُساعدة، التي أقدمها لك كل شهر، فإنها من عند صديقنا، الذي تنتقده، هو دائمًا، يسألني عنك، ويطمئن على أسرتك، ويطلب مني الاهتمام بكم، وأي حاجة، تحتاجونها، فإنه خادم، هكذا، كان يُخبرني، تعجب جدًا من كلامه، أصابه الخجل، تسمر في مكانه، تعطلت لغة الكلام بين شفتيه، فليس سوى الصمت.
نعم، كم نحن محتاجون إلى قلب سلام، أن نتعامل، مع الآخرين، كنبضات قلبها، شكرًا، يا قلب سلام، الآن، أفكر كيف أكون كقلب البراءة في عينيك، لأغمض عيني على قلبك.