
مجالسنا المفتوحة كانت هي رمز العز والجود والعلم والإبداع ونقل الخبرات. وهي فعلًا إرث الآباء والأجداد الكرام. وتسمى الديوانيات في بعض دول منطقة الخليج. وكانت تسهل وحدة المجتمع وتنوعه لأن أهداف إنشاء كل مجلس تختلف عن الآخر. وهذه المجالس تظل مفتوحة ليلًا ونهارًا ويلجأ إليها الضيوف والقادمون من المدن والقرى البعيدة وكل من لا يجد مأوى.
والمجالس أنواع على حسب الهدف من تأسيسها. فهناك المجالس العائلية ومجالس تستعمل كمضائف. وتوجد مجالس العلماء وأهل الثقافة. كما أن هناك مجالس تجمع أهل المهن كالصيادين والفلاحين. ومن المجالس الجميلة مجالس محبي السفر الذين يحبون السياحة الدينية وغيرها. وأيضًا توجد مجالس وجهاء البلد.
فمعظم المجالس هي مجالس عائلية تجمع العائلة والجيران. فهذه المجالس تجتمع فيها العائلة ليليًا في بيت كبير العائلة ويتفقد بعضهم البعض. فيعودون المريض ويساعدون المحتاج ويحلون معظم مشاكل العائلة. كما يعلمون أبناءهم الرجولة والكرم وبر الوالدين وحب الناس.
وتكون هذه المجالس بمثابة مضيف للعائلة وفيها يتجلى الكرم والجود. فتكون ملجأ لكل محتاج وغريب. فبسبب صعوبة التنقل يضطر الغرباء للمبيت في المدن والقرى التي يزورونها. وبعض المجالس تكون فيها منابر لإلقاء المحاضرات الدينية وتسمى العادات.
وبالنسبة لمجالس العلماء ورجال الدين تكون محط النظر في المسائل الشرعية والمحاضرات الدينية. ويستخدمها العلماء لنشر الوعي الديني وتوجيه المجتمع. والنَّاس تأتي إليها لدفع الزكاة والخمس. كما يأتيها بعض الفقراء لطلب المساعدة. ففي هذه المجالس منابر النور ومساعدة الفقراء وحل الكثير من مشاكل المجتمع والتوعية ونشر العلم والثقافة.
وبالنسبة لمجالس وجهاء البلد ففيها تحل المشاكل والخلافات. وتقدم المطالبات للخدمات للحكومة عبرهم. وهم واجهة البلد الناصعة.
كما أن هناك مجالس تجمع أهل المهن مثل الصيادين والفلاحين وغيرها. ففيها يتعاون الناس لأجل توفير متطلباتهم وعمالتهم. فالفلاحين يوفرون لنفسهم البذور والعمال وأدوات الفلاحة التي تنقصهم من أقرانهم. وكذلك الصيادون يتبادلون معرفة مواقع الصيد وأدوات الصيد ويتعاونون في نقل صيدهم للسوق. وأيضًا أصحاب المهن الأخرى يقومون بتبادل الأدوات والخبرات. وأيضًا يكون الغوص والغواصون جزءًا من هذه المجالس.
أما مجالس محبي السفر فقد ابتدأ الناس بالسفر للأماكن المقدسة قديمًا ثم تطور هدفهم في الفترة الأخيرة لزيارة الأماكن السياحية في جميع أنحاء العالم. فهم يتبادلون معلوماتهم في الحديث عن الأماكن السياحية في دول العالم وكيفية السفر لتلك الدول والتكلفة وأنسب الأوقات. ومعرفة عادات وطرق تفكير ولبس الناس في الدول السياحية. وكذلك معرفة محلات التسوق والمطاعم في تلك الدول. وميزات الدول من حيث تسهيل أمور السياح وتوجيههم وسهولة التنقل.
وأخيرًا مجالسنا المفتوحة كانت مدارس لتربية أبنائنا ورمزًا لكرمنا وجودنا وتبادلًا لخبراتنا ومصداقًا لتعاوننا. فنتمنى من الله القدير أن يزيل هذه الغمة عن هذه الأمة وتعود مجالسنا مفتوحة كما كانت.