من أجمل الوصايا الإنسانية أن يذكرَ الناسُ ما كان في موتاهم من خيرٍ ومحاسن، ويدفنونَ ما كان فيهم من معايب ومساوئ. وهاهي سنة ٢٠٢٠م تحتضر وقريبًا تموت فتكون جزءًا من التاريخ الماضي، وسوف لا نذكرها إلا بما كان فيها من خير، وهو كثير!
أكاد أجزم أن ليسَ الزمان إلا مثل الإناء الفارغ يملؤه صاحبه بما شاء، إن كان خَلًّا أو عسلًا، وهكذا كانت هذه السنة المزبورة خليطًا معتادًا من خلِّ وعسلِ السنين. ليس الزمان انتهى ورحل فيها، بل هو من رَحَّل راكبيه ومن امتطاه من بشرٍ ومادة. تحولت المادة وتبدلت فيه، وأما نحن – أبناء آدم – فكما نظم السيد الشريف الرضي:
راحِلٌ أَنتَ وَاللَيالي نُزولُ
وَمُضِرٌّ بِكَ البَقاءُ الطَويلُ
صرنا في آخر المربعاتِ المرسومة في اللوحة الورقية المعلقة فوق الجدار، في بداية كل مربع تطلع الشمس من الشرق، وفي نهايته تغرب من الغرب، توافقنا على أن نعطيها رقماً – ٢٠٢٠م – ولا أظن أن هذه المربعات الثلاثمائة وستة وستين اختلفت عما قبلها أو سوف تختلف عما بعدها إلا بما نكتبه في صفحاتنا الخاصة من إنجازاتٍ أو خيبات. وهي مثل غيرها، مربعاتٌ في بعضها تلقينا ضرباتٍ عنيفة وفي بعضها وجدنا الراحةَ والرخاء، وما بين هذين الصنفين نرجو أن تكثر أيامُ الرخاء وتقل أيام الضربات الموجعة في السنةِ المقبلة. مع أننا تعودنا الآن أن نسمع لحن الأغنية: معلم على الصَّدعات قلبي!
أسوأ ما نظن ونطمئن له أن الأيامَ سوف تبقى لنا في شكلٍ ولونٍ واحد، فإذا ما أرَتنا لونًا آخر ووجهًا غير الذي عرفناه وألفناه ارتبكنا. رخاء وشدة ثم رخاء، تلك هي سنّة اللّه في الأرض التي تدفع الحياةَ إلى التوازن، ولو بقيت الأيامُ لمن قبلنا في سعادةٍ دائمة، أو شقاء، لقلنا هذا ممكن، ولكنها تصرفت بهم وأدارت لهم ظَهْرَ الْمِجَنّ، الشريف منهم والوضيع.
ليس من رجاءٍ في العامِ المقبل أكبر من الرجاء من الله أن يعطي كلَّ فاقدٍ الصبرَ والخلف، وكلَّ مريضٍ الشفاءَ والعافية، وكلَّ فقيرٍ الغنى والثروة، وكلَّ غائبٍ الأوبَ والعودة؛ أينما كانوا ومن كانوا فمن أرقى الحالات أن يتضامن الإنسانُ مع أخيهِ الإنسان، الذي اكتفى العالم بتخصيص يومٍ له سمَّاه: “اليوم الدولي للتضامن الإنساني”، وخصص له يوم ٢٠ كانون الأول/ ديسمبر من كلِّ عام!
رُوَيْدًا رُوَيْدًا، يقترب العام من نهايته، وفي بداية العام المقبل تكون الفرصة الأفضل لمن فشل في التغيير الذي كان يطمح له، وكان يؤخره من أسبوعٍ لآخر ومن شهر لآخر، الآن يجدد العزم والهمة ويغتنم الفرصة لتعويض ما فات، وإلا مرت الفرصةُ مرّ السحاب.