تتغير الأحوال، فإذا بالرضا ينقلب سخطًا، والحبّ إلى ما يشبه البغض، أو هو البغض بذاته. ولا تتغير القاعدة أن المرأةَ لابدّ لها من أن تتنفس وتذوقَ طعمَ الحرية – المشروعة – التي يوفرها لها الزواجُ الطبيعي ولا تبقى معلقة تنتظر القيدَ أن ينكسر أو يموتَ السجان. وللرجل الشكر والاحترام، أما إذا كان الزواجُ موتًا لواحدٍ منهما، أو كليهما، فما العمل؟ من أصعب الأشياء أن ينصحَ أحدٌ أحدًا بالطلاق، {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِه}، لكن ماذا إذا شعرَ أحدهما أو كلاهما أن الحياةَ لم تعد محتملة في هذا الجو، وأن التجربةَ فاشلة، وأن القافلةَ تسير في أرضٍ قفر دون ماء، وليس في الاتجاهِ السليم؟!
يُعَلِّق الرجلُ المرأةَ في حبال القطيعة، لكنها أيضًا – المرأة – قد تذر الزوجَ كالمعلق! فكم من شريفٍ كريمٍ حائر بين أن يكسرَ بابَ الزنزانة ويهرب أو يُبقي على الشملِ ملمومًا، وإن على حساب حريته، وراحته؟ أظنهم كثر، صامتون وصابرون على الأذى الكبير، فليس كل رجل يرغب أن يحول المرأةَ إلى كيانٍ أجوف ومقهور ومحروم من المتعة بالأبناء:
إن النِّساءَ كَـأَشجَـارٍ نَبـتنَ معَـاً
منها المرارُ وبعضُ المرَّ مأكولُ
قاتلَ اللهُ الشيطان الذي ينزع بين قلوبِ المحبين ويسعى بينهم بالقطيعة، فإذا هم يطيعونه رجال ونساء، وكأن بينهم وبين من تزوجوا وانتخبوا ثأرًا لا يستوفيه إلا الموت البطيء، فلماذا؟ والله قال: {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَة}، بحيث لا تشعر المرأةُ بلذّة الحرية وطعم الحياةِ الزوجية التي تشعر بها المرأةُ غير المتزوجة. وبذلك يكون الزواجُ سجنًا لا تملك فيه المرأةُ مفتاحَ الحرية! والرجل أيضًا: “أعظم الناس حقّاً على المرأةِ زوجها، وأعظم الناسِ حقّاً على الرجلِ أمُّه”، هذا ما ذكره النبي محمد (ص).
لم تُكتب العقود لتمزق، والاتفاقيات لتخالف، بل كتبت لتدوم بدوام السلوك العملي في المعاملة الحياتية، وأن يعاملَ الزوجُ امرأته كزوجة فيما جعل اللهُ لها من حقوق، بحيث تشعر أنها ربحت في الزواج، وهو ربح أيضًا. لكن الحياة اليوم فيها: إما زوجةٌ صابرة، أو زوجٌ صابر. ومن الغريب أنه مع راحة الحياة ويسرها عما كانت عليه قبل عشرات السنين، إلا أن الخلافات الزوجية ومشاكلها أصبحت أكثرَ عمقًا وأشدّ تعقيدًا.