لطفا بالعمالة الفقيرة

أقف لحظة صدق قبل بزوغ الفجر استنشقها مع رحيق قهوتي الصباحية لأعيد ترتيب أوراقي مع ذاتي, ولأجعل الكتابة مجرد معبرا لوجعي الخفي لبعض المآزق الخطيرة التي يمارسها بعضنا دون إدراك خطورته, حيث يتملكني الخجل من وجود البعض منا الذين يسيئون لسمعتنا بممارسة بعض الانتهاكات, وبأنواع العنف وخاصة النفسي لعديد من العمالة النسائية الأجنبية سواء بالبيوت أو في صالونات التجميل ومن المؤكد إن أغلب البيوت لا تخلو من الخدم, وهناك الكثير من البيوت تعامل الخدم معاملة طيبة تعتمد على تعاليم ديننا الإسلامي.

في البداية وقبل أن أسترسل في مقالي أقف وقفة شكر وثناء لزوجي الإنسان عذب الصفات لإعطائي دائما النصح في حسن معاملة الخدم وأحييه لأنه فعلا يتعامل مع خدمنا برفق واحترام ويعتبر الخادمة من أفراد الأسرة.

أردت هنا أن أسلط الضوء على حقوق الخدم والعمالة الأجنبية الفقيرة, التي يجهلها البعض فمقالي يحاكي قضية حقوق الإنسان, إنه موضوع أزلي فمشكلتنا إننا نخفي الكثير من أخطائنا أمام ترفنا تجاه العمالة الفاقدة للتأهيل والحقوق والوعي, ما أود مناقشته هو كيف نتعامل مع الخدم والعاملات دون ظلم واستعباد, حيث الخدم ضرورة للمنازل بل أعتبرها أيضا ظاهرة وليس ترفا.

هالني مشهدا رأيته بنفسي عندما دخلت أحد الصالونات النسائية, فإذا إحدى عاملاتها الفلبينية التي ألمحها دائما تضحك وتبتسم, وعلى غير عادتها وجدتها تبكي وعلمت إن والدها مريض جدا على وشك الموت, وتتمنى السفر لرؤيته قبل موته, وللأسف إن سيدة الصالون لم توافق بسبب إن العمل سوف يكون مكثفا خلال الأسابيع القادمة, حيث إن نفس العاملة منذ شهور سابقة توفيت والدتها أيضا, هل تتخيل نفسك مسافرا لعمل أو لدراسة وعند عودتك تجد إن أبويك قد توفيا لا سمح الله! كيف يتملكك ذاك الشعور؟ لماذا لا نشعر بالآخرين ؟ هل هناك مساحة إحساس في قلبك تجاه هذه العمالة الفقيرة القادمة لخدمتنا, تاركة كل ما هو غالي في بلدها من أجل لقمة العيش, وبخطوة مني أردت مساعدة تلك الفقيرة الحزينة فتحدثت إلى صاحبة المحل لإعطاء تلك العاملة فرصة السفر, بضمان بقية العاملات وأسفت لما عرفت من تفاصيل, ولأني أعرفها تماما وكنت قد توسمت فيها خيرا يوم رأيتها, لولا إني أيضا رأيت الوجه الآخر, وللأسف لم تكترث لذات الموضوع وفي النهاية توفي والد تلك العاملة, وباختصار فقدت تلك المسكينة والديها في أقل من شهور, ودون ما تجد تعاطفا مِن مَن تعمل لديهم هذا ما لمسته يا لسخرية الزمن ! تعجبت من هذا الأمر وعقد المنظر لساني وخرجت ساخطة على تلك السيدة صاحبة الصالون, فلتعذرني هذا هو إحساسي وكثيرا ما يؤلمني حينما أرى البعض يسيؤن المعاملة, والأشد إيلاما حينما تكون تلك السيدة لطيفة مع الآخرين.

كنت قد هدأت قليلا بعد موجة غضب داخلي, قد أصابني رغم إن الموضوع لا يخصني شخصيا, ثم عدت لثورتي هذه وأنا أكتب مقالي هذا, أردت سرد هذه القصة حيث كانت لي مشاهداتي, ولكم حيرني واندهشت بموت الإحساس من بعض الناس بكل أشكاله واللعب بمشاعر العمالة الفقيرة ومصائرها, لماذا هذه النرجسية في رؤيتنا للفقراء وللخدم وللعاملات, هل الفقر عيب أو جريمة؟ ومتى ما الله أغناكم وامتلأت بطونكم وجيوبكم حتى تستعبدون الخدم والعمال.

من السذاجة هنا أن نخفي مسألة العمال والخدم, والكل يدرك إن بعضنا نعاملهم بعنصرية واستعباد وهو شيء ينبذه الإسلام وكل ديانات السماء, ولكن معاملتهم هنا لا يحكمها إلا الضمير والأخلاق والإنسانية وما عدا ذلك تضيع الحقوق وتصادر وتؤكل الجهود , متى سندرك إن العاملة أو الخادمة هي مثلنا عندها مشاعر وأحاسيس و طاقة محدودة, ولا تعمل بمفاعل نووي لتلبي طلباتنا دون تعب! علينا أن نلتزم في معاملتهم بآداب الإسلام وأحكام الشرع والكل يدرك ما وصانا به الرسول العظيم صلوات الله وسلامه عليه “كلكم راع وكلنا مسئول عن رعيته”, نعم علينا أن نقتدي بصاحب الخلق العظيم لقد كان لنا في رسولنا أسوة حسنة ويذكرنا رسول الأمة من لا يرحم الناس لا يرحمه الله.

سؤال كبير يشبه في حجمه سور الصين العظيم أوجهه, لماذا نتعامل مع الخدم على أساس نظام الأسياد والخدم دون مراعاة لأدنى حقوقهم, متجاهلين إنسانيتهم وهكذا يتعاملوا معنا نحن العرب بحذر قريب, لعلهم يعتقدوا بأننا شعب مغرور متعالي لا نرى أبعد من أرنبة أنوفنا ولندرك كل قوي فيه أقوى منه, أما آن لنا أن ننزل عن كرسي التباهي والبطش لنعيش بدون مغالاة أو غرور والعظمة لله. .

رغم التطور والتقدم الاقتصادي هن فإن بعض الناس لا يزالون ينظرون إلى الخدم والعاملات على إنهم عبيد لهم وأعتقد فهم القارئ كاف هنا. بصراحة الأمر أكثر من مبتذل في كل الأمور مزعج للغاية ومنه إحساسنا بالاستخفاف فكفى ابتذالا وظلما بالخدم لطفا يا أصحاب النفوس الطاهرة.

علينا أن نتقي الله عز وجل فيمن أجبرته واضطرته الظروف الصعبة القاهرة ودفعته الحاجة وسخره الله لخدمتك, و علينا أن لا نستغل حاجته وفقره وضعفه وغربته وأن نقدم له احتياجاته واعتبرها صدقه لوجه الله, أين من يسيء معاملتهم عن أوامر الله, لنعيد إحياء ما يسمى بالضمير ولننسى الأخلاق والدين برهة ونتذكر إن المسألة هي ضمير فقط, كل تصرف حسن منا يعني للخدم الكثير وسوف يبذلوا الجهد مقابل إحساننا لهم.

لنتذكر معاملة رسولنا الكريم لمن يخدمه معاملة رائعة لا يميز بين رقيق وأجير, مما جعل زيد بن حارثة يفضله على والديه وأهله, قد يقول قائل: هذا رسول الله وهذا زيد أين نحن من الرسول وأين خدمنا من زيد! فأقول لكم ما رأيكم بموقف عمر بن عبد العزيز قال عمر بن عبد العزيز لجاريته روحيني حتى أنام فروحته فنام, وغلبها النوم فنامت فلما انتبه أخذ المروحة يروحها فقال: إنما أنت بشر مثلي أصابك من الحر ما أصابني فأردت إن أروحك كما روحتني.

و لقد نهانا وحذرنا ديننا العظيم من إساءة معاملة الخدم مهما بدر من إساءة ومن هدي النبوة قوله صلى الله عليه وآله وسلم “أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون” اعرف البعض يقدمون بقايا طعامهم لخدمهم, والبعض الآخر لا يسمحوا لخدمهم أن يأكل نفس النوعية لأكلهم, أتمنى أن لا تكونوا منهم فالنفس ترغب مثلما ترغبون, أرجوكم الرفق بالفقير والغريب وجزآكم عند الله كبير.

إن معاملة الخدم تعد منفذا من منافذ الأخلاق الإسلامية السمحة, علينا أن نتواضع مع الخدم والعاملات وذلك بمنحهن الإحساس والشعور بأنهن من أفراد الأسرة, وموضوع الأخلاق موضوع أزلي إنه في درجة الماء والهواء, ولقد بشرنا الحبيب
المصطفى صلوات الله وسلامه إن أقرب الناس إليه منزلة يوم القيامة, ليس صاحب الأعمال بل صاحب أحسن الأخلاق فلن نخسر شيئا إذا التزمنا بالهدي النبوي. ما أعظمك يا رسول الله جئت لتمم مكارم الأخلاق لتكن معاملتنا بالحسنى لا بالقسوة ولا ننسى إن العمالة والخدم بشر لا حجر, لا نريد غضب الله وحتى لا يمنع علينا أشياء كثيرة أبسطها المطر.

الكثير منا يذهب فيها ضحية لكيد الخدم والعاملات, ولكن أي جريمة ترتكبها الخدم نابعة من تراكم ضغوطات أهل البيت, حتى عندما نسمع عن هروب الخدم والعاملات فوراء ذلك قضايا وأمور قد تخفي عن البعض , فاضطرابات بعض العاملات يجب ألا ننظر إليها على إنها تعبير ساخط على إجراءات متعسفة, لا داعي لكثرة التوبيخ عند أي تقصير أو خطأ منهم, من منا لا يخطئ من منا إذا أخطأ لا يجب أن يغفر له أو يعفى عنه فكذلك العامل أو الخادم, علينا أن نتذكر إن الجزاء من جنس العمل.

دعونا نتدارك ما فات من الوقت علينا أن ننشر ثقافة حسن التعامل مع العمالة الأجنبية الفقيرة, اعرف بعض الأسر تغير خدمها وعمالها بصورة مستمرة وكأنها ملابس ترتدي على مزاجها, والطامة الكبرى تتمثل في أن هناك أسرا تأكل حقوق الخادمة, فلا تعطي راتبها وتماطلها عدة شهور وكأننا لا نعيش في دولة إسلامية.

إن حجم المشكلة كبير قد طال الحديث عن هموم ومعاناة الكثير من العمالة المسكينة, دون حاجة إلى تشخيص وما نقرأه في الصحف غيض من فيض, تلك قضايا شائكة تزيدها تعقيدا إنه مأزق خطير قد تسمى انتكاس أو انقلاب في المفاهيم, وما نسمعه ونقرأ بشكل يومي حول محاولات الخادمات استعمال السحر والشعوذة في البيوت انتقاما من الأسرة .

تبقى بعض الأسئلة في سياق المشكلة و هنا أتساءل: هل لابد من الصمت لمن لم يحترم إنسانية هؤلاء العاملات؟ ولماذا ننظر إليهن نظرة دونية ونجعلهن أحيانا للتندر والسخرية؟ لماذا نعتبر الخدم عناصر طارئة وهامشية و نحن قوم استهلاكي من الدرجة الأولى, ألسن الخادمات والعاملات بشر ألا تدرك إن الله يمهل ولا يهمل وإن دعوة المظلوم مستجابة؟ أين القوانين و المنظمات الإنسانية والحقوقية لحماية الخادمات والعاملات؟ هل نحن نعيش في دولة القانون آآآآه يا وطن!

استخلصت إن عقدة النقص لدى البعض تولد حب اضطهاد الغير, وخاصة من العمالة الذين تحت أمرته, من منكم يريد أن يقول شيئا ويصرخ ويرفع صوته ويضم صوته معنا, قائلين لا للعنف لا للتعسف فالخدم والعاملات ضيوف على أرضنا, وحتما سوف نخرج بأسوأ النتائج الأطفال مثلا سوف يدفعون ثمن سوء المعاملة وذلك من اعتراه من ظلم وإجحاف لا رحمة فيها.

لن أنسى خادمة والدتي فقد كانت مثالا في الطيبة والتفاني كانت لا تنام الليل لترعى والدتي أثناء مرضها, و لن أنسى خادمتي الرائعة جدا بقيت تخدمني أربعة عشر سنة دون مشاكل وبإخلاص وحتى خادمتي الثانية كانت تعمل عندي ثلاثة عشر سنة, وخادمتنا الحالية حديثة العهد معنا في عامها الثاني وأعتبرها واحدة من الأسرة نحبها وتحبنا وهذا ما أمرنا به الإسلام والضمير والإنسانية.

أدرك تماما إن الطرح جريء والتفاته ساخنة لحقوق الإنسان, ندعو وزير العمل ومن يهمه الأمر لكشف مثل هذه الممارسات وبعض التجاوزات, لأنه غير إنساني وغير حضاري وبعيد عن الإنسان, وكسؤال خارج عن الموضوع ولكنه هام هل هناك جدية في القضاء على هذه التجاوزات أو إنه خارج نطاق مهام الوزارة المعنية؟

أنهي مقالي بدعوة خاصة صادقة بريئة, كفانا ظلم و عنف وقسوة واحتقار و غرور لهؤلاء الفقراء, الذي يدل على سوء أخلاقنا ورداءة سلوكنا, واذكر الله يا غافل فالدنيا صغيرة تدور دورتها على الكون والبشر, تبا لكل من أساء معاملة الخدم فعلينا أن نحسن معاملتهم والرفق بهم, فالمعاملة الطيبة تلين القلب و ترفق النفس وتحفظ معها كرامتهم وإنسانيتهم ” ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”.

وأخيرا أرجو من صاحبة الصالون العزيزة جدا الصفح لغضبي منها وذلك من أجل الفقراء تلك الفئة المسكينة نعم من أجلها كان هذا الغضب . اللهم إنا نعوذ بك أن نكون عظماء في أنفسنا وعند الناس حقراء أذلاء مدفوعين عندك يا رب.


error: المحتوي محمي