بياناتنا بين قبضة الديجتالوجيا

مع بداية التشكّل لمفهوم الحياة الرقمية في حياة المجتمعات المعاصرة، وما أعقب ذلك من توسع نفوذ المفهوم ذاته في تفاصيل العقود الثلاثة الأخيرة من الراهن الثقافي والاجتماعي، أخذ الإنسان المعاصر –في أغلب أوقاته– دور المنفعل أكثر منه فاعلا ذاتيا، والمتفرّج أكبر منه لاعبا أساسيا.

وبين مخاضات الولادة والنموّ ثمّ النمو المتسارع، فرضت الديجتالوجيا صياغتها الثقافية على الأجيال المعاصرة، وصارت البيانات الرقمية خميرة كلّ فعل تسويقي بالنسبة لقطاع التجارة والأعمال، فضلا عن الأهمية الكبيرة لطبيعة الأطوار المتنوعة من البيانات بالنسبة لجميع أنواع الواقع ومظاهره في فضاءات الحياة المعاصرة.

وفي حين يكثر الحديث في الخطاب المعلوماتي للثورة الصناعية الرابعة عن العلاقة الحتمية بين علوم البيانات وعلوم الذكاء الاصطناعي، أو علوم الروبوتيكس، وكذلك ما يرتبط بأحد أهم المفاهيم الأساسية التي ستلعب أدوارا مركبة في المستقبل القريب، حيث اتساع التركيز على مفهوم وتصوّر سلاسل الكتل أو «البلوك تشين» فإن مقولة عالم الرياضيات كليف همبي بأنّ «البيانات هي النفط الجديد» التي أطلقها «همبي» وهو المهتم بالبيانات ولا سيما في حقول التسويق، حيث ابتكر مشروع بطاقة «تيسكو كلوب كارد» لسلسلة أسواق كبيرة هي شركة تيسكو، التي تمتد اليوم في بريطانيا وأوروبا، نتيجة خبرته في مجال الإحصاء والبيانات كفرع أساسي فيه.

وتطورت مقولة «همبي» التي أطلقها في 2006، إلى أنْ غدت في نهاية العقد الثاني من الألفية الثالثة على لسان كثير من المشتغلين بعلوم البيانات بأنّها –أي البيانات- نفط المستقبل، إلى أن جرت المقارنات بين مستقبل النفط ونفط المستقبل الذي تميل كفّة الموازنة في رأي كثير من الاستراتيجيين وخبراء الاقتصاد وعلماء البيانات، لصالح نفط المستقبل، حيث يبرر بعضهم بأنه في حين يكون النفط موردا طبيعيا قابلا للتناقص، تنمو فرص ومستقبل نفط المستقبل –البيانات– إلى درجة ازدهار التخزين السحابي الفائق، كما يأتي توقع الخبراء أنفسهم.

ونجد قبل نحو أسبوعين، أنّ فرنسا تعلن فرض غرامات ماليّة على شركتي جوجل وأمازون، لخرقهما قانون حماية البيانات الفرنسي –كما في مبررات فرض الغرامة المذكورة- ومع أنّ هناك بعض الدفاع صدر من الشركتين، لكنّ الغرامة فُرضت.

في خبر الغرامة، يلاحظ أهمية البيانات من جهة، ومن جهة أخرى يلاحظ أهمية توفير بنية تقنين لأخذ البيانات أو استثمارها في التسويق، ولعلّ في هذا الشأن تقوم بعض الشركات التي لديها فرص تسويق بيانات عملائها بهذا النشاط دون وجود موافقة في عقد العميل مع هذه الشركة أو تلك، وإلاّ لماذا تبيع بعض شركات الاتصالات بعض خدماتها التي فيها استعمال لبيانات عملائها دون موافقة، وهذا لم يكن جديدا، فمنذ بداية رواج وانتشار الرسائل الإعلانية القصيرة «sms» التي بدأت قبل ظهور الهواتف الذكية، وإلى هذه اللحظة، لا يدري أحدنا كيف وصل رقمه لشركة هنا أو أخرى هناك.

ومع أنّ كثيرا من تطبيقات الهواتف الذكية تعمل في خطوات تركيب المستخدم للتطبيق على الدخول إلى سجلات الهواتف التي في الجوال، فتجلب ما لذّ وطاب لها من أرقام وبيانات، يحدث الأمر نفسه أو ما يماثله مع بعض تطبيقات التواصل الاجتماعي وغيرها من تطبيقات، تملأ مخازن الذاكرة في أجهزتنا الذكية، على اتساع حضورها، عبر واقع إنترنت الأشياء.

وفي حين تقوم بعض الشركات في وضع بعض بريمجات التتبع دون موافقة، فإنّ الجميع بحاجة لتوجيهات تثري الثقافة التقنية في التعامل مع واقع الحياة الرقمية الحديثة، وإلى سنّ قوانين من الجهات التي تشرف على إدارة هذه الأمور، وفي مقدمتها هيئة الاتصالات، لأن تقنين العلاقات الرقمية في مثل هذه التفاصيل هو حاجة مهمّة وليس عملا تكميليا.


المصدر: آراء سعودية



error: المحتوي محمي