إن الإنسان منذ بدء الخليقة وحتى الآن لا يزال يبحث عن مواد فعالة وشافية ؛ وذلك لغرض التطبب من الأمراض المختلفة، تلك المواد صنعتها قدرة الله عز وجل، ولا يستطيع العقل البشري عملها.
إننا نعي بأن الله سبحانه وتعالى خلق النباتات والأعشاب لينتفع بها الإنسان فيجد فيها ما يسد رمقه ويطفئ ظمأه، وأيضاً ما يبرئه من أمراضه وعلله، وقد أوحى الخالق من علمه غير المحدود إلى الإنسان ليهتدي إلى النباتات الشافية من الأمراض عن طريق الملاحظة والبحث والتجربة العلمية، حتى أصبحت الأغذية النباتية اليوم وبحق من أهم المصادر الطبيعية للدواء.
إلى أي مدى تساعد الأغذية النباتية في مقاومة الأمراض التي تعترينا أحيانًا؟ وإلى أي مدى تتداخل جزئيات الغذاء النباتي مع العمليات الحيوية؟ وأين نجد مضادات الأكسدة في طعامنا؟ للإجابة عن هذه الأسئلة بدون دعاية للوسائل الطبيعية ـ التي لا نخفي تحمسنا لها – يستحسن أن نلقي نظرة على الجانب الآخر بعيدًا عن الأدوية والمستحضرات الطبية.
لعل أحدث صيحة في عالم الصحة هو العلاج بالغذاء، ولا يتحقق ذلك إلا بالطبق الصحي الذي يتألف معظمه من مصادر نباتية، المفيد للحفاظ على صحة الجسم وسلامته، وإذا اتبعنا القواعد العلمية في اختيار نوعية الطعام فسوف نقضي على الكثير من الأمراض والمشكلات الصحية.
وقد لاقت الأغذية النباتية اهتماماً كبيراً من قبل الأطباء وعلماء التغذية لوجود علاقة بين كثير من الأمراض وبين معدل استهلاك الأغذية النباتية، وقد أوضحت الدراسات الميدانية أن الأمراض تنتشر بين الناس الذين يكثرون من تناول الأطعمة الحيوانية بينما تقل في النباتيين.
وقد لوحظ لدى آكلي اللحوم تعرضهم للأمراض المستعصية، فهي غنية بالسموم والنفايات الحيوانية التي لا يمكن طرحها كاملة، ولهذا نرى الكثير منهم يعانون من مشاكل صحية يصعب علاجها.
القاعدة الذهبية لنظام التغذية النباتية هي تحقيق الموازنة بين احتياجات جسم الإنسان من الأغذية النباتية والأغذية المكملة، فالإكثار من تناول الخضراوات والفواكه والحبوب والبقول يكون له تأثير على جوانب محددة من جسم الإنسان، وينصح بالأغذية المكملة التي من مصادر حيوانية كالأسماك والدجاج واللحم البقري والبيض والألبان، وهناك حاجة إلى وجود هذين النوعين من الأغذية.
عدم أخذ الإنسان كفايته من مجموعة فيتامين B يظهر بصورة واضحة بين النباتيين الذين لا يأكلون اللحوم والأجزاء الحيوانية الغنية بهذه الفيتامينات، ومن هنا جاءت التوصية لأمثال هؤلاء النباتيين باللجوء إلى الأغذية المكملة بتناول الأسماك الطازجة الغنية بالعناصر الغذائية الضرورية.
لا يمكن إهمال الأغذية النباتية أبداً فهي مصدر أساسي للفيتامينات والأملاح والألياف الغذائية ومجموعة من المواد الكيميائية الأخرى التي تحمي خلايا أجسامنا وأنسجتها من المواد السامة والمحفزة للأمراض، وإلا فما السبب في إهمالنا لوضع هذه الكنوز من الصحة في غذائنا!!
فقد وجد أن بعض الأغذية النباتية كالفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة والبقوليات والزيوت النباتية الغنية بفيتامينات A و C و E تعمل كمضادات الأكسدة الطبيعية، بينما البصل والثوم والكركم والفلفل الأحمر الحار تعمل كمضادات حيوية، هذه الأغذية تلعب أدواراً فعالة في بناء مقاومة الجسم ضد العدوى والالتهابات وتقاوم الإجهاد وتجعل جميع أنسجة الجسم تعمل بكفاءة.
الأطباء وعلماء التغذية يقولون إن الغذاء النباتي يزيد القوة، ويساعد على طرد المواد السامة ويحمي الجسم من الكثير من الأمراض، ويساعد على إطالة الحياة – بإذن الله – ودليلهم على ذلك حياة الحيوانات التي لا تتناول طعاماً سوى النباتات، فهي أقوى الحيوانات جسماً وأطولها عمراً، فالثور الشهير بقوته الفائقة نباتي، والفيل الذي يعتبره العلماء أقوى الحيوانات جميعاً – بما فيها الأسد – لا يتناول طعاماً سوى النباتات، ودع عنك السلحفاة – وهي نباتية كما تعلم – فهي تعمر مئات السنين!
الحقيقة أن الجميع يدركون دور الغذاء النباتي في كونه ذا تأثير إيجابي على الصحة، إن الغذاء بصفة عامة قد لا يستطيع أن يؤدي إلى شفاء مرض بعينه لكن الأغذية النباتية والتي عادة ما تكون غنية بالفيتامينات والمعادن والألياف الغذائية، وبأنواع معينة من مضادات الأكسدة، تستطيع أن توفر الحماية ضد أنواع عديدة من الأمراض.
في جسم الإنسان نظام دفاعي مذهل ورائع يقف المرء أمامه مبهورًا، فلو أراد عدد كبير من البشر أن يحموا مكانًا ويحصنوه لما استطاعوا أن يفعلوا ذلك بهذه الكيفية.
إن الجسم لا يصاب بالمرض إلا إذا تعرض لخلل في إحدى أنسجته أو أحد أعضائه، وبمـجـرد أن يـتــأكـد الجـهـاز المـنـاعـي للجسم مـن أن هناك خللاً في الوظائف الحيوية، فإنه يبدأ في اكتشاف أجسام مضادة لـه، بإطلاق كميات كبيرة من الأجسام المناعية قادرة على إزالة الضرر.
إذاً، جهاز المناعة مسؤول عن حماية الجسم من غزو الميكروبات والمواد الغريبة الضارة ولا يدمر خلايا الجسم، والذين يعانون نقص أو سوء التغذية يكونون أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بالأمراض المعدية، بسبب حدوث خلل في الجهاز المناعي.
عندما يذهب المريض إلى الطبيب ويشكو إليه من عرض ألم به فعادة ما يأمر الطبيب بأخذ عينة من دم ذلك المريض أو صورة أشعة لأحد أعضاء جسمه، حتى يستطيع أن يصف له العقار الدوائي، لكن المشكلة هي أن الكثير من الأمراض التي يصاب بها الإنسان لا يوجد لها حتى الآن علاج ناجع في الطب الحديث.
اللجوء لإعطاء المريض مضاد حيوي كمعيار الشفاء هو بكل بساطة أقل عقلانية وأكثر هدراً للمناعة الطبيعية، كما أن تعود الجسم عليه يقلل من فعاليته وقدرته العلاجية.
هناك علاقة سببية بين المرض ومقاومة الجسد، فعند المرض يفرز الجسم مواد معينة تدخل في تركيبات كيميائية معينة داخل الجسم تعمل على مقاومة مسببات المرض والقضاء عليها، أصبحنا اليوم نواجه جيلاً من المرضى فاقدي المناعة.
رأينا الكثير من الأدوية الكيميائية غير آمنة، وعلى الأرجح من دون جدوى.
لكن أسوأ فصول العبث بالقدرات الطبيعية للجسم البشري هو عدم مساعدة الجسم على علاج نفسه بنفسه.
صفة مقاومة الجسد وفعاليته تتأثر بالأدوية والمضادات الحيوية، هذه المركبات تدمر الجهاز المناعي الذي يحمي الإنسان من الأمراض.
برزت أهمية الأدوية والعقاقير الكيميائية، وحققت سمعة كبيرة في مجال الطب الحديث، إلا أنه وبعد مرور السنون ومع كثافة استخدام العقاقير الكيميائية كُشِفَ عن الدور الخفي الذي تلعبه العقاقير المصنعة، فظهر لبعضها آثار جانبية كثيرة معظمها خطر على جسم الإنسان، وأصبحت هناك قائمة سوداء للأدوية السامة تزداد تدريجياً، جعلت الإنسان يتريث في الاستخدام المفرط لها، بل إن بعضهم أخذ يتحدث عن العلاج بالغذاء، والأعشاب، والوصفات الطبيعية التي كانت معروفة مند مئات السنين.
الدراسات الحديثة تؤكد أن الأدوية إن شفت عرضًا لكنها لا تشفي مرضاً، لذلك تحولت الأمراض إلى أمراض مزمنة، وظهر الاتجاه القوي نحو العودة للطبيعة.
بات من الممكن التوقف أمام أثر الغذاء في تقوية مناعة الجسد.
من مظاهر عناية الله تعالى بالإنسان، توفير السبل التي تحفظ حياته منذ أن يكون جنينًا في بطن أمه حتى مولده، ثم توفير الغذاء المناسب له، فالتغذية هي إحدى دعائم الحياة، فبدونها لا يقوى الإنسان على القيام بالأعمال والنشاطات المتعددة، فالغذاء هو الوقود الذي يمد الإنسان بالحرارة، وهو مادة البناء التي تزيد من كتلة الجسم، ويزداد معها نمو الإنسان حتى يصل إلى غايته، حيث يتحول عندها الغذاء من مادة بناء إلى مادة صيانة، ترمم ما يتلف من خلايا، وتعوض ما يفقد من عناصر غذائية، مساهمة بذلك في استمرار نشاط الإنسان عبر سنوات حياته المرتقبة.
تبدأ كفاءة جهاز المناعة منذ الصغر، فالطفل الذي يرضع رضاعة طبيعية تكون صحته جيدة ويملك جهازًا مناعيًا قويًا، يعطيه حماية ضد العديد من الأمراض المعدية ؛ فحليب الأم يحتوي على مركبات عديدة مثل الأجسام المضادة، ويكتسب الرضيع حماية كاملة ضد الميكروبات الممرضة التي تتعرض لها الأم.
أما الأطفال الذين لا تتم تغذيتهم بحليب الأم فتنقصهم القدرة على مقاومة العوامل المرضية.
يشير خبراء علوم التغذية إلى أن هناك أغذية يمكن أن نسميها “أغذية المناعة” لأنها تعمل على تقوية جهاز المناعة في الجسم وترفع من فعالية مقاومته للأمراض.
لقد أثبتت الدراسات السكانية المتكررة أن هناك رابطة قوية بين استهلاك كمية كبيرة من الأغذية النباتية وانخفاض حالات السرطان، كما اكتشف علماء الأحياء الجزيئية في العقد الأخير أن المركبات الكيميائية الموجودة في تلك الأغذية يمكنها العمل على إعاقة نمو الأورام الخبيثة.
وبالنسبة لدور النباتات في تقوية مناعة الجسم، نجد أنه عند إصابة الجسم بمرض ما، لا يكفي معالجة الأعضاء المصابة فقط، بل لابد من دعم مقاومته للمرض ومخلفاته وحتى يتم تقوية الجسم ضد هذا المرض فلابد من إمداده بالمواد التي فقدها خلال فترة المرض، ويمكن للنباتات القيام بذلك بفضل تركيبها الطبيعي، أما فاعليتها فيمكن تلخيصها فيما يلي:
• تخلص العضو المصاب من السموم والوسائل الضارة.
• تحسن وظائف أعضاء الجسم فتنشط وتحرك عمل الغدد والأعضاء الأساسية بفضل مفعولها الهرموني المنشط للأعصاب.
• تقوي الجسم؛ نظرًا لاحتوائها على الفيتامينات والمواد الأساسية للجسم.
• تطهر الجسم من الجراثيم، وتمنع العفونة، وتدخل لمساعدة الجسم على المقاومة حتى في حالة إصابته بالحمى أو الفيروس فجأة.
واحتمالات المعالجة بوساطة النباتات مهمة للغاية؛ لأن الجسم يمتص موادها بسهولة، كما أن تأثيرها يتم بفضل دورها المنشط، والذي يفيد التوازن للجسم ويقويه.
لذا فباستطاعتنا استعمالها كعلاج واقٍ وعلاج شاف وعلاج ومساعدة من نوع آخر.
حتى الآن، تمكن العلماء من معرفة بعض الوسائل التي يمكن عن طريقها رفع الكفاءة الدفاعية – والهجومية – للأسلحة المقاومة ضد مختلف الأمراض في الجسم، وتلك التي تضعف قدرتها كحصن منيع ضده، هذه الدراسات أثمرت عن حلول عدة، من بينها المداومة على تناول الأغذية التي تدعم مقاومة الجسم ضد الأمراض، والممارسة المستمرة للرياضة البدنية، والتغلب على الإجهاد والقلق واضطرابات النوم وهموم الحياة، وكلها عوامل ترفع – بإذن الله – من كفاءة الجهاز المناعي.
ولأن الغذاء بما يحتويه من عناصر غذائية هو مصدر الطاقة والنشاط والحيوية والبناء لأعضاء الجسم المختلفة؛ فقد يكون مفتاح حياة مديدة إن شاء الله حول دور الغذاء في الوقاية من الأمراض وعلاجها.
وحين تبحث عن أسباب وجود أكبر قدر من المعمرين على وجه الأرض تتجاوز أعمارهم المائة عام ويبدون في صحة جيدة، تكتشف هناك أجواء تساعد على ذلك منها المناخ ونوعية الطعام وعادات الناس، والبعد قدر الإمكان عن الضغوط الحياتية التي تؤدي إلى حـدوث تغييرات هرمونية في الجسم تؤثر على وظائف الخلايا ما يؤدي إلى ضعف مناعة الجسم.
تأكد علميًا أن تناول الخضراوات والفاكهة والحبوب الكاملة والبقوليات يدعم صحة الإنسان ويقويها لما تحتويه من مواد نافعة، وتوصي الجهات المختصة التي تهتم بصحة الإنسان بأن يتناول الفرد تلك الأغذية في جميع الوجبات، لكونها تحسن الجهاز المناعي وتحمي الجسم من الأمراض.
من هذا يتضح مدى أهمية التغذية النباتية، وأنه من الضروري توفرها في الطعام اليومي، لأن لها تأثيراً واضحاً في تقوية مناعة الجسد.
لا شك أنه يجب علينا إعادة النظر في قائمة غذائنا والعودة إلى الأطعمة التي تقوي مناعتنا، ومن يدري فقد يكون غزو الأمراض والأوبئة الفتاكة لأجسامنا وانتصارها علينا يعود إلى تخلّينا عن أغذية وأشربة طبيعية أنعم الله بها علينا لمقاومة أمراضنا وتغذية عقولنا وأجسامنا.
منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.