في الأوجام.. علي الناصر قرض الشعر في الـ14.. وتوج مشواره بـ8 دواوين.. والدوخلة انطلاقته الإعلامية

ولد الشعر على لسانه قبل 23 عامًا، فتى في الرابعة عشرة من عمره، لم يصادفه علم العروض ولا علم القافية بعد، ورغم تعب المحاولة في بداية الطريق إلا أن المطاف انتهى به وفي خزينته الشعرية 8 دواوين.

ولم تكن الدواوين الثمانية، هي الحصيلة الشعرية اليتيمة في تاريخ الشاعر علي حسن الناصر، فصوت قافيته وأوزان شعره كانت حاضرة في عدد من المحافل الاجتماعية، والأمسيات الشعرية.

بلا وراثة
لم يرث علي الشعر من أسلافه، كما أنه لم يورثه لأحد من أبنائه، وحول ذلك يقول: “الشعر ليس وراثة بين أحد وآخر، هو روح تتنفس عميقًا لتحل في أخرى تشبهها جمالًا وحبًا، لذلك أنا أراه كذلك رغم ما أشار له القريبون مني أن أحد أجدادي كان شاعرًا (نبطيًا)”.

اتكاء على الموهبة
لا يلتفت “الناصر” خلال مشواره الشعري، للتشجيع أو محاولات التحبيط، فهو يجد في نفسه السند الوحيد لذاته، يقول: “كنت وما زلت أسير متكئًا عليَّ أحمل ما وهبتني السماء بأمل كبير دون الالتفات لمن حولي، فأن تكون منفردًا في أمر ما وتبدع خير من جمع كثير وأنت لا تفعل شيئًا، كان الأمر محبطًا جدًا جدًا لكن لابد لقطرة الماء أن تجتاز الصخور في نهاية الأمر”.

ويضيف: “في مضمار الجمال كل طرقك للحياة هي طرق مليئة بالتحديات، وهكذا كنت فلم يكن من ثمة من يطرق هذا الهم الجماليّ إلا كلمات قليلة من هنا وهنالك؛ لكن من أيقظه لتستفيق في عينيه هو ذاته وهو هو لا غيره”.

محاولة لقرض الشعر
اعتمد علي في بداياته على القراءة لتنمية قاموسه اللغوي، فهو كأغلب الأدباء، طرق حب القراءة باب هواياته، ومع الاستمرار في معانقة تلك الهواية بدأت المحاولات الأولى لدمج الفعل “قرأ” بأخيه “كتب”.

يعود بذاكرته: “الشغف المفضي لصياغة الحب لدى هذا الطفل كانت تنمو وتكبر فصول من ربيع زاهر، حيث تسنمت التميز منذ مراحل الحب الأولى من عمري شغفًا وحبًا لمادة القراءة وكبرت معي شيئًا فشيئًا، أما ما خطته أنامل المشتهى فكانت وأنا ابن عشر كلمات، حيث مادة التعبير حين أشاد المعلم بما أكتبه آنذاك”.

ويستمر في قيادة ذاكرته نحو الماضي: “ربما كان اللحن الأول لي وأنا ابن أربعة عشر وترًا، حيث كنت أحاول جاهدًا تشرب الوزن في كلماتي، وكل ذي بدء يكون محملًا بالتعب، إلا أني تجاوزت ذلك بعد مدة زمنية”.

الأول أضاعته الذاكرة
أضاعت ذاكرة “الناصر” أول بيت شعري كتبه، فهو – حسب وصفه – ذاكرته الممتلئة بكل صنوف الجمال كتابة وقراءة واستماعًا لا تسعف ابن الثلاثين أن يرمي بها هنا، لبعد الزمن الممتد من الآن لأول نبضة مختلفة من وجوده، إلا أنه لكن لا يزال يتذكر أن قافيتها كانت حائية وعلى أحد أشكال البحر الكامل القليل تداوله آنذاك.

شعر يسافر خارج الوطن
سافرت قافية ذلك الشاعر إلى خارج حدود الوطن، فشارك في محافل شعرية في عدد من الدول منها؛ البحرين وعُمان ومملكة المغرب وغيرها، كما أن الكثير من مشاركاته نالت استحسان الجمهور.

ولم يكن علي كعين عذاري حين تروي الغريب وتنسى أهلها، فبلدته بل محافظة القطيف شهدت عدة بلدات منها مشاركاته في احتفالاتها وأمسياتها، وهو يرجع التاريخ الحقيقي لتلك المشاركات إلى أول حرف تدفق من بين أنامله ليشرع له أبواب الدنيا ويملأ ما حولي بصوت حروفه، إلا أنه يستدرك: “لو أسعفنا أن ندون تاريخًا رقميًا فسيكون عام 1422 هـ، وكان حفلًا تأبينيًا”.

ويبين “الناصر” أن أمسية الدوخلة مع الشاعر حبيب المعاتيق كانت أول أمسية له بحضور جماهيري مميز، معتبرًا إياها الانطلاقة الإعلامية له كشاعر حينها.

على الرغم من ذلك، فهو من الشعراء الغائبين عن الساحة الإعلامية في المنطقة، وقد فسر غيابه لـ«القطيف اليوم» بقوله: “وإذا دُعيتم فأجيبوا، هذا ربما هو السبب”.

راحيل
تتهادى خطوات أنثى اسمها “راحيل” في أغلب أشعار علي الناصر، وعن سؤالنا حول تلك الشخصية، أجاب: “العبور لضفة المعنى لا يصلح بقيد ما والحقيقة لا يمكن الوصول لها إلا من خلالها هي فقط، الأنثى الحقيقية حين تتشظى فتوزعها الأماكن على كل ما يعبرك جمالًا وألقًا، فإن فُقد الجمال فُقدت معه راحيل”.

ويجيب عن تأخر ظهور دواين باسمها: “الحلم المعتق بالجمال كان يشير لي من بدء الكلمات بذاك لكن حال دون ذلك حائل ما في ما مضى من الزمن، فلما حان ميعاد إيفاء الحب كان لابد لراحيل أن تبتسم للوجود ولي وتكون حاضرة في كل المرايا التي يرتسمها هذا الاسم عذوبة وألقًا”.

ثمانية إخوة
ولد أول دواوينه قبل 12 عامًا، أي في عام 1430 هـ، يتحدث عن ذلك الديوان: “هو قطرة سقطت من غيمة الوقت حين كنت ألملم “راحيلي” من الروح التي لم تفتأ تذكرها، واسمه “واساقط المطر”، كان هو الفرحة البكر التي يحلم بها الشعر بداخلي”.

يتعاقب أبناء علي في الشعر بعد ديوانه الأولى، ليكتمل إنتاجه بـ8 دواوين، يفصلها بقوله: “جاء بعد الأول ديوان “همس القناديل”، ويعبق من خلاله “على إيقاع الرحيل”، ثم يتلقفه مني عبر هذا كله “سبحان سجنك” الذي كتبته في شخص الإمام الكاظم (ع)، ليتلو جماله على قلبي “نبوءة في فم الغيب” مناجاة وتضرعًا وحبًا وقربًا، ثم يأتي بعد ذلك على استحياء وشوق “غواية مؤجلة” ذات النسق النثري بين أخواته في الشعر، ثم يتنفس عميقًا للحب العاصف الذي يأخذه لفضاء سيد الجمال “راحيل” الذي كان يرتسم في وجودي قبل كلماتي، وآخر ما انتهى بي الجمال الخلاق “وقربناه زكيا”، حين امتلأت رئته كله بالحسن بن علي سبط النبي (ص)”.

غواص دون تدريب
أبحر “الناصر” في أغلب بحور الشعر، دون استعانة بمجداف غيره، بل حاول الاعتماد على نفسه منذ البداية، محاولًا أن يكون سباحًا ماهرًا لا يخطئ مساره، يحكي عن تجربته: “لن يغرق من حمل معه ما يحتاجه الغواص الحذق، وكل أمر بدايته صعبة لكنها تسهل وتسهل حتى تصل للتمكن، وقد بدأتها صغيرًا كما أشرت سابقًا، وكنت أنا من يعينني لأسبر أغواره وأفتش ما فيه، ومع التمكن البسيط حينها زادت الخبرة من خلال التصاق الحديث بالحديث والمناقشة بالمناقشة حتى تمكنت منها ولله الحمد”.

طرب شعري.. ورفقة
يطرب الشاعر علي لسماع قصائد عدد من الشعراء، فهو مرتحل ما بين عصور مضت وعصور حديثة، يبحث عما يروقه بين الشعر  القديم للملك الضليل والحميري وبشار بن برد وديك الجن والشريف المرتضى والسادة الحليون، وبين المحدثين من الشعراء كالجواهري ومحمود درويش ونزار قباني وغازي القصيبي.

أما عن رفقته من شعراء عصره ومنطقته، فيقول: “هم بعدد الحب العظيم الذي تبصر من خلاله كم للصداقة من معنى عميق يتجلى بهم، وكما قيل صديقك الحق من يدفع بك للنجاح بكل قوته”.



error: المحتوي محمي