هذا عادي؟ ما عشتَ أراك الدهرُ عجبَا!

في حياةِ العمل التي قاربت الأربعينَ سنة تعرفت على أطيافٍ مختلفة وأنماطٍ متفاوتة من العاداتِ والسلوكيات، من داخل مجتمعنا ومن خارجه، وفعلًا استوقفني بعضها كثيرًا، وكان يشبه من يُدخل الدّب إلى داخل الكوخ.

سافرَ أحد الأشخاص للخارج، فكان واحدٌ من أصدقائي الشباب يتصل بزوجته، فسألته: ما الداعي لتتصل بها، وهل هي من قرابتك؟ قال: هي ليست من قرابتي، وأنا فقط أتصل بها وأسلّيها عن غيابِ زوجها، فلماذا أنتَ مستغرب؟

أنا ما كنت لأَستغرب لو كان واحد من الأصدقاء الغربيين يحدثني، فمثل هذا العمل في الغرب – عند الكثير منهم – يعتبر عاديًا، مع أنه يخرب كثيرًا من بيوتهم، ويقود للانفصال بعد تحقق الخيانات، لكن أن يكونَ هذا في مجتمعنا، لحد الركون إلى طيبة الشخص والثقة المطلقة في حصانته ونيته وكأنه في مقامِ تقوى النبي يوسف (ع)، والزوجة من نساء العالمين، فقد أدهشني بالفعل!

نفسي مثل كل النفوس تتحرك فيها الغرائز، وتثور فيها الشهوات لتدفعني إلى الخطيئة، وعلى الخصوص في حالِ الخلوة، إلا أن يرحمَ اللهُ عبده ويأخذ بيده قبل أن يتردى في بئرِ الخطايا. وأظن أن التحذير لا يجب أن يكون بالضرورة من الدين – فقط -، بل من العقل أيضًا، الذي يكشف أنها طبيعة إنسانية ورجولية أن توجد غيرة وحماية، وألا يحصل مثل هذا.

فبين محذر من أن رواية مثل هذه المشاهد – الحقيقية – فيها همزٌ وغمزٌ من قناةِ مجتمعاتٍ نقية صافية، وبين قائلٍ لا بأس، رأيت أن أبثَّ بعضها بين مجتمعٍ عاقل، يفرق بين الغَثِّ والسمين، لكي لا يفرط في قيمهِ السامية التي تربى عليها صاغرًا عن كابر. وإلا كيف يرى الناسُ اليوم اشتراك الشباب والشابات، والنساء والرجال، في كثيرٍ من المحادثات الهزلية والجدية، وكأنهم محصنون من كلِّ رغبةِ نفس وهوى فؤاد؟!

فهل من العبث أن يوصي النبيُّ محمد (ص): “لا يَخْلُوَنَّ رجلٌ بامرأة فما من رجلٍ خلا بامرأة إلا كان الشيطانُ ثالثهما”، فمن يعطي ضمانًا على ما يوحيه الشيطان ويصوره من جمالِ وزينةِ الخطيئة؟ وقد روي أن فاطمة بنت رسول الله (ص)، استأذن عليها أعمى فحجبته، فقال لها النبي (ص): لم حجبته وهو لا يراك؟ فقالت: يا رسولَ الله، إن لم يكن يراني فأنا أراه، وهو يشم الريح، فقال النبي (ص): أشهد أنك بضعةٌ مني”.


error: المحتوي محمي