في هذه الأثناء، ما زلت أنتظره في حجرة المكتبة، المخصصة للقراءة، وما بين أصابعي رواية أدبية، أقرأ آخر أبجدياتها، لأقوم بكتابة الحلقة الأخيرة منها، بعد تعتق فكرتها، وهي رواية “يراني في الظلام”، للروائية هدى العوى، وبين هنيهة وأخرى، أتنفس الغيمات المُطلة من الشرفة، إلا ويده، تربت على كتفي، أبصرته، وإذا ابتسامته تُعيد لقلبي الحياة مجددًا، تناول الرواية من يدي، تأملها، وقال: الكفيف، أيها القروي الجميل، كم نحن المُبصرون، نتمتع بالقراءة، نُحدق في الأحرف مليًا، بكل يُسر وسهولة، لنفهم، وندخل عقول الآخرين من خلال كتاباتهم.
جلس في الجانب الأيمن، باتجاه النافذة، لأبصره حينًا، والشرفة ذات اقتناص اللحظة، إنه الإعلامي حسين كاظم، لم أدعه ينتظرني، أو يختار المكان الذي نرتشف فيه كوب قهوتنا على ألحان قوس قزح.
ينبغي أن لا يشتري الإنسان القلق، عليه أن يشتري الأمل، أن يُؤمن بقدراته، وأن يُبصر قوس قزح في كل صباح، ويبتسم، يأخذ نفسًا عميقًا، ويقول أنا مبدع، وسأبدع.
إن الإنسان برغم انشغالاته، يحتاج أن يختلي بيراعه، يُداعبه بذكرياته، يكتب، ليُوثق اللحظة، ليقرأ الذكريات بعد حين، وإن جاءت بعد سنوات.
لا يزال يُصغي، وما زلت أشاغبه عن أيامه السنبلات، وماهية اليراع في دنياه، بعيدًا عن الصحافة.
في الضفة الأخرى من “يوميات قلم”، نستشرف من حياة هذا الإعلامي الرياضي، زاوية، تُعنى بالتأليف، أكان مُؤلفًا، أم كان باحثًا، يتراقص على مرجوحة الفكر، يناغيها القرطاس.
أراني، وبعد كل ما قرأته، وأصغيت له، أنه، يعشق الكلمة، ويؤمن أن صاحب اليراع، لا ينفك، تطارده حكايات الأمس، المواقف، الحُبلى بكل الألوان.
هل نحن نكتب يومياتنا، نُدونها، أو نقوم بالكتابة عن موهبتنا، نُوثق مراحلها، نضوجها، أنكون، كالذي تعلق بيراعه وفكره، ليدمج درامية ذاته، خلجات فكره، في درامية الحياة.
كنت ذات يوم جالسًا، أفكر في ذاتي، رمقتني بعينيها، فاستيقظت من النوم، أعلم ولست متيقنًا، بأنك الآن، يا قارئي، تغمض عينيك، تحدث ذاتك، لماذا لا أكتب عن حياتي، أوثق يومياتي؟
الزميل حسين كاظم، كانت له مساحة، اتخذها في علاقته مع اليراع، من خلال التأليف، وعمل البحوث، قام بها خلال مسيرته الصحفية، والتي بدأت فعليًا عام 1400هـ.
وبرغم الركض الصحفي في ذلك الوقت، ومتابعته للألعاب المختلفة، كاليد، والطائرة والسلة، والألعاب الأخرى، كالسباحة والتنس، وألعاب القوى، ومدى الجهد الكبير، والشاق، بل المتعب حقًا، الذي يُقام لقلة التكنولوجيا حينها، إلا أنه تمكن من إعداد كتب، ونشرات، منها: كتاب اليد السعودية بمناسبة مشاركة المنتخب السعودي الأول لكرة اليد في اليابان عام 1997م – مصر، عام 1999م – فرنسا عام 2001م، وبطولة القارات لكرة اليد بالدمام عام 2000م، وكتاب ربان الطائرة السعودية، والمحيط بمناسبة اعتزال الدولي اللاعب محمد أحمد عبد الرضا عام 1992م، وكتاب أسطورة اليد عن لاعب نادي الخليج، والمنتخب السعودي الدولي السيد أحمد حبيب عام 2000م، وكتاب البطولة الآسيوية لكرة اليد بمناسبة استضافة الخليج في الدمام عام 2011م، بطولة مجلس التعاون بنادي السلام عام 2003م، بالإضافة إلى كتيبات، ونشرات عدة مثل: حصاد الدوري لكرة اليد مفكرة اليد، عندما كان في اللجنة الإعلامية بالاتحاد السعودي لكرة اليد، وتحديدًا لنهائي الدوري والكأس.
إنه المساء، قد أخذ مجراه ناحية الغروب، ولا يزال يُصغي، وشفتي تُمارس التعليق، والنقاش عن ماهية التوثيق في حياة الإنسان، حيث أكد من خلال هذه الكتب، والنشرات، التي قام بعملها، ليهديني بعضها، أني لم أبتعد عن الصواب فيما جعلته، كالموسيقى، يعزفها على أفكارنا سويًا، كلانا، يحلم، إلا أنه قد حقق الكثير من أحلامه، وما زلت على قارعة الطريق، أنتظر الغيمة الزرقاء، تُدثرني بحنان قطراتها، لتزدهر الفكرة، ترطب الروح، لتشرق حدائق العينين في عيني، أمنحها الدفء من رموشها، العينين الناعستين على وجه المليحة، والقرطاس، وما بين أصابعها الأبجدية.
وبعيدًا عن سيرته الذاتية، عن الرياضة في أفقه، في شغفه، يا أيُها القروي الجميل، قبل أن ندع الطريق بيننا، يأخذنا كل إلى وجهته، هل بإمكانك أن تنصح أمثالي، لأختصر المسافات كلها في جملة، أجاب: لتكتب، فإن الكتابة، هي الذات، والفكر، لا تُقلل من شأن ما تكتبه، لتعيش اللذة فيها، ليكن الكتاب رفيق لحظاتك، لتعشق كل شيء، لتظفر بتحقيق ذاتك، وتكون أنت بمرتبة الشرف، شكرته، حيث لم أستطع الوقوف على قدمي، والمطر، يتساقط على ملامحنا، فتحت عيني، لأراه قد غادر، ولكن لم أكن أعلم، متى غادر، وكيف، ومن الذي كان معي مُنذ قليل، يُشاغبني؟