
إن الرحمة في العقاب قد تجسد الأدب فيه، وإن حسن الظن في ضبابية الرؤيا قد يَبني جسورًا من الثقة، وإن التأني في الحكم والقرار قد يرتقي لِنيل الرضا والسلامة!
لذا لا يجبُ علينا أن نقرأ أفعال الغير كما نشتهي، ولا أن نُدين ردود أفعالهم وسلوكهم دون بحثٍ أو سؤال، لكيلا نظلمهم بردود أفعالنا الطائشة، ولا أن نُدين أنفسنا بالظنون والشكوك تجاههم!
لابد لنا أن نعي أن اللحظة كفيلة بأن تُغير المسار بانكسار، وأن تحرم النفس من بلوغ الأمان والانتصار، وأن تسجنها كما الطير في قفص الاتهام!
إن الغضب في النفس شُعلة، إن توفر مثلثها شمرت ودمرت وأحرقت، وكانت تبعاتها على النفس مؤلمة، وعلى الغير مُحطمة وربما قاتلة، قد تتلاشى بعد حين لكن حتمًا سوف يبقى أثرها في المحيط يسير!
إن أول ضلع من ذاك المثلث هو إطلاق صراح الغضب من داخلك، ليجعلك تتنفس الشر والضغينة، والضلعُ الآخر منه هو الدوران حول تلك المادة (الكلمة، الموقف) القابلة للاشتعال بداخلك، والتركيز عليها وجعلها نقطة انطلاقٍ لكرامتك، والضلعُ الثالث منه هو البقاء في ذات الموضع الذي قد شحنته الأجواء بالحرارة، وجعلته مناسبًا لتلك النار التي لا تُبقي ولا تذر!
أخبرني يا سيدي فكم من خيِّرٍ قد اغتاله غضبه، وكم من صرخاتِ ندمٍ قد تعالت في غياهب السجون، كم من زوجةً من أثر الغضب صارت أرملة، وكم من طفلةٍ بعد أبيها نامت خائفة، كم من براءةٍ قد دفنت، ورحمةٍ قد أرهقت!
كانت قصةٌ حزينةٌ قصيرة، قد تشاجر يومًا ما مع شخصٍ قد أغضبه، فأنزل جام غضبه عليه من دون وعي، ومن دون قصدٍ قد قتله، وقتل أسرته حينما حرمهم منه، أرّق نفسه، وشتت من خلفه، وحكم بالجريمة على روحه!
هي كانت لحظة، لكن ليست كأي لحظة، لحظةٌ قد دمرت مسيرته، ورهنت في السجن قيود حياته، لحظةٌ قد طالت تبعاتها المؤلمة من حوله، فبكى من بكى، ومات بالوجع من أرهقه الحنين لمحبوبه!
بعض اللحظات يكون ثمنها غاليًا جدًا يا صديقي، فكن حذرًا فأنت لست لنفسك فقط بل لمن يحبك أيضًا!