عَهْدُ الشَّيْخُوخَة

مَا لِشَّيْخُوخَةِ لَا تَنْسَى فَكَأَنَّ الْعَزْمَ بِهَا مَحْفُورْ
دَهَمَتْنِي الْيَومَ بِلَا قُبَلٍ والْعُمْرُ بِلَا رِفْقٍ مَذْكُورْ
أَرْقَامُ الْعُمْرِ تَزَيْدُ حَثَيْثًا حتَّى يَنْهَارَ الْمَكْثُورْ
وَتَمُرُّ بَلَا صَوْتٍ كَفَرَاشٍ فِي فَجْرٍ مَنْشُورْ
وَأَنَا الْمِسْكِيْنُ أُفَتِّشُ عَنْ أَمَلٍ فِي قَلْبِي الْمَكْسُورْ
عَنْ رُوحٍ كَانَتْ تَهْوَانِي وَبَقِيْتُ صَدَى طِفْلٍ مَبْهُورْ
عَنْ عِشْقٍ بَاغَتَنِي مَعَ أَوَّلِ غَيْمَاتِ الْعُمْرِ الْمَغْرُورْ
قَدْ خَالَفَ عَادَتَها فَبْقَى حَتَّى أَضْحَى عِشْقًا مَأسُورْ
أَنَا مَا قَاوَمْتُ عُذُوبَتَهُ مَا غَالَبَنِي فَأَنَا الْمَأثُورْ
يَتَشَكَّلُ أَشْعَارًا كَي أُنْشِدَهَا لَكِنْ صَوتِي مَوتُورْ
تَتَحَوَّلُ أَنْغَامًا كَي أَعْزِفَهَا لَكِنْ وَتَرِي مَبْتُورْ
وَعَنِ إِمْرَأَةٍ مَلَكَتْهُ بِحُضْـنٍ أَسْمى مِنْ حُضْـنِ الْحُورْ
الْقَلْبُ لَهَا قصرٌ سَكَنَتْهُ سِنِينًا قَبْلَ الْيْومِ الْمَسْطُورْ
رَحَلَتْ فِي غَفْلَتِهِ قَدْ كَانَ رَحِيْلًا فِي صَمْتٍ مَقْهُورْ
فَزَمَانِي خَبْبَّبَهَا وَهُوَ الْغَدَّارُ بِلَا وَقَتٍ مَحْظُورْ
عَنْ طِفْلٍ كَانَ يُدَاعِبُنِي ضَحَكَاتِي فِي فَرَحٍ مَنْثُورْ
وَتَلَاحِقُهُ نَفْسِي كَي يُؤْنِسَهَا فَهِيَ الْطِّفْلُ الْمَحْبُورْ
وَفَتًى قَدْ طَالَ الْغَيْـمَ بِرَأسٍ مَنْفُوخٍ حِلْمًا مَسْتُورْ
وَبِطُهْرٍ كَانَ يَظُنُّ جَمَيْعَ النَّاَسِ بِلَا خُبْثٍ مَحْذُورْ
وَكِتَابٍ كَانَ أَعَزَّ جَلَيْسٍ لَمْ يَسْأَمْ عَبَثِي الْمَشْهُورْ
نَقْضِي سَاعَاتٍ فِي جَدَلٍ لَمْ يَكْشِفْ سِرًّا لِي مْضْمُورْ
وَدَمٍ أَشْعَلْتُ بِهِ مِصْبَاحِي كَي لَا أَمْضِي فِي دَيْجُورْ
أَحْتَاجُ ضِيَاءً كَي أحْيَا فَالنُّورُ حَيَاةٌ لِلْمَحْصُورْ
كَي أَحْلَمَ أَحْتَاجُ الضُّوءَ الْكَافِي لَا أَحْلَمُ فِي الْمَغْمُورْ
يَقَظَاتِي تَخْلُقُ أَحْلَامًا لِتُسَافِرَ بِي خَلْفَ الْمَنْظُورْ
وَتُغَازِلَ شَمْسَ الْحُبِّ لِتَسْـرِقَ لِي مِنْهَا قَبَسًا مِنْ نُورْ
لِأَرَى فِي عَتْمَةِ قَلْبِي مَنْ هُوَ فِي نَبْضِي أَحْلَى مَأسُورْ
كَي أَعْتِقَهُ أَو يَعْتِقَنِي مِنْ عِشْقي الْبَاقِي مَعْسُورْ
عَلِّي أَسْتَرْجِعُ قَلْبِي حَتَّى أَجْبُرَ مَا فِيْهِ مَكْسُورْ
لَكِنْ يَأبَى الْإجْبَارَ فَلَنْ يَرْضَى بِالْجَبْرِ أَوِ الْمَـجْبُورْ
وَيَرَى الشَّيْخُوخَةَ لَيْسَتْ قَبـْرًا مَفْتُوحًا لِيَكُونَ الْمَقْبُورْ
بَلْ مَرْحَلةً يَدْنُو فِيْهَا دَرْجًا مِنْ فَاطِرِهِ الْمَفْطُورْ
قَدْ تَقْصُرُ أَو تَمْتَدُّ فَلَنْ يَقْضِيِهَا فِي وَقْتٍ مَهْدُورْ
بَلْ يَبْقَى حَيًّا حَتَّى يَلْقَى الْمَوْلَى مَرْحُومًا مَشَكُورْ
مَا لَيْسَ يُطِيْقُ فَلَا يَقْسُو فَالشَّيْخُ مُجَازٌ بَلْ مَعْذُورْ


error: المحتوي محمي