
عند هروبه من العمل، يترك كأس شاي على مكتبه، إشارة بأنّه في مهمة عمليّة قريبة، وسيعود لإكماله.
الفساد، الإداريّ منه أو الماليّ، بل إنّ الإداريّ هو ماليّ بشكل أو آخر، يمثّل أخطر مهام الهدم الساحق داخل المنظومة الوظيفية أو المجتمعية في أيّ نظام عمليّ أو اجتماعيّ داخل كل بلد.
والمعضلة أنّ الفساد لا يمكن أن يبقى فاعلا في إطار محدود، وإنّما لا أن يتوفّر لديه ألفُ قميص يرتديه وألفُ جِلْدٍ يبدله، حسب خطط الشرّ التي تتقاسم حبائله أو تحتشد في خيام مطامعه وحِيلِ مكرِه.
وتعاني كثير من البلدان من هذه الآفة الشنيعة، والجريمة، التي تصنّف ضمن سلّم الجرائم التي تفتك باقتصاد كلّ بلد وتعبث بمقوّمات الأمن والأمان على كل جنباته المحتمل إصابتها.
وقريبا، ظهرت مجموعة من القضايا التي تنتمي إلى واحد أو أكثر من وجوه قضايا الفساد، أو الإفساد الذي يحاول أعداء الأمانة العبث باستقرار كلّ بلد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
الفساد له صِوَرٌ بالغة الضرر على مجمل عناوين البناء والتنمية داخل الأوطان، ومانشيتات الصحف المطبوعة ووسائل الإعلام الإلكتروني الحديث، تناقلت قضايا غسيل الأموال، والتحايل في توقيع العقود الوهمية، وتزوير مستندات تكاليف المستلزمات، إلى غيرها من الاستنفاع غير المشروع من قبل بعض المتنفذين من ضعاف النفوس الذين جرفتهم غرائز الطمع والأنانية إلى درجة هدر المال العام أو تلّقي الرشاوى التي يتوّلى مقدموها إكسابها المسميات والعناوين «المزّوقة» تحايلا على الأنظمة واللوائح التي تجرّمها ابتداء من مقدّماتها إلى باقي تفاصيلها الفاسدة.
وفي بلادنا التي تأخذ موقعا عالميا مرموقا ضمن مجموعة العشرين، تتصدّى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد «نزاهة» لرصد ومتابعة ومحاربة كلّ ما يرتبط بالفساد وأشكاله الاقتصادية والإدارية.
وتابعنا مؤخرا رصد الهيئة المسؤولة لعمليات تلاعب في سوق المال السعودي، الذي يمثّل واجهة اقتصادية تتميز بالشفافية، لكنّ المتلاعبين قد يخرجون لتنفيذ مآرب طمعهم واستغلال تكنولوجيا الواقع الحديث في التواصل بدون حدود.
ونشرت بعض الصحف تقارير مستفيضة عن مجموعة من ذوي الياقات البيضاء التي حاولت العبث في سوق المال، لكنّ المخلصون في جهاز هيئة الرقابة ومكافحة الفساد راحت تضرب خراطيم الفساد وتقطع دابر العمليات المتلاعب فيها وتعاقب من يستحق العقاب.
هذا الحديث يعيدنا إلى واقع سوق المال وما صاحبه من أحداث في عام 2006، التي تضرر خلالها الكثيرون، وليت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد تقوم مشكورة بتتبع ما حدث قبل أربعة عشر عاما في سوق المال، فلعلّ هناك من مارس شكلا أو صورة من محاولات العبث في سوق المال آنذاك.
إنّ تعمّد الإضرار بالأمن الاقتصادي هو سقوط في مستنقع الإفساد، ومهما حاول الباطل أن يكسب جولة فالحقّ هو دولة تنتصر على الفساد وملتّه مهما تنّوعت طُرُقُهُ وتفرّعت طرائقُه.
المصدر: آراء سعودية.