في صباح حارق يبتلع نشاط الصائمين, صباح الخير على نفوسكم الطاهرة, وسلام أطهر من الطهر في قلب البياض مثقل بالعفة والنقاء, من خيوط الطهر أنسج لك كلماتي حروفا وأملي أن تصلك, هل لي أن أكتب عن الطهر, فشهيتي مفتوحة للكتابة رغم الصيام فإذا لم أجد ما سأقوله أو سأكتبه فسأعتزل فورا.
لم أستطيع النوم البارحة, ضل جوف الليل يقلبني ذات يمين وذا شمال, حاولت أن أغالب كل القلق, وأنا متشحة بقناع الكلمات المطمئنة أهديك مقالي وفوقه وجعي لعلك حين تلامس إحساسي تستفيق, وأنا بدوري أتساءل بما إن السؤال حق إنساني, هل فيكم من يفقه الآهات في صدري ويفقه وجعي, هل من الضروري إذن أن نتحدث عن أزمة الطهر والكمال, لعل الإجابة عن هذا السؤال أتركها للقارئ نفسه, أما أنا فقد أجبت عن هذا السؤال قبل أن أكتب مقالي هذا, مع صمت المساء الذي تهادى إلى حين بدأت أكتب.
أحاول أن اصعد بك أيها القارئ على صدق حروفي المهذبة ولا شك أنت صاحب الحس المرهف, فطالما فشلت في كتابة المقدمات لمقالاتي, فلست املك القدرة على تهيئة القارئ وشذ انتباهه بمقدمة جذابة, حيث هنا من داخلي أبدأ بلا مقدمات, بل تجمعني بعثرة أفكاري لتبعثرني مشاعر هوجاء, ولكن لا تزال الطهارة والنقاء ميزة مرتبطة بالدموع والبكاء وقبلها النية الصادقة بتوبة صادقة أيضا , وهاهي السماء تبكي طهرا لعلها تهبني من طهرها .
في ليلة منذ سنين طويلة مضت وقبل زواجي , كانت كباقي الليالي ربما ولكن لم تكن بالطبع كذلك, بالنسبة لي كنت أتقلب في فراشي دون نوم وكنت قلقة دون سبب, كانت الثالثة بعد منتصف الليل وكان القلق يسيطر علي تماما, كان شريط حياتي كله يمر أمامي أتذكر من طفولتي ما أتـذكره, وبعد إن كبرت جعلت أستذكر ذنوبي وأعظمها صلاتي التي غالبا بل دائما كنت أوديها بتكاسل وتباطؤ, يا ويلي تذكرت حينها نفسي لو أنه جاءني ملك الموت ليقبض روحي فما عساي أن أخبره أمستعدة للموت؟ يا ترى كيف أقابل الله سبحانه وتعالى بعد الموت؟ يا إلهي أتخيل نفسي واقفة أمامك على أرض المحشر وأنا خجلة لتقصيري في طاعتك, يا ربي عفوك قمت حينها من فراشي مسرعة مع سماعي آذان الفجر, الذي أسمعه من المسجد القريب من بيتنا وصليت الفجر, وأنا امسح دمعاتي التي نزلت على خدي خوفا من الله وخجلة من تقصيري الأحمق, ومن يومها لم أعرف القلق في نومي, فما شعرت بطعم النوم إلا يومها وكأنني لم أنم منذ سنين مضت من عمري, وكلنا كالقمر له جانب مظلم, تنهدت بصمت الكبرياء و دخلت عالما أدركته لاحقا عالم الطهر والنقاء.
ها أنا أصيغ كلماتي أرسمها كما أشاء وفيها كل الألوان, هنا لحظة صمت لم تطل كثيرا كنت أسمع خلاله صوتا يئن من الداخل وزفرات تتالى, هذه كلماتي أخطها من نشيج أحزاني المسافرة عبر الزمان والمكان لتستقر بين ذراعي عشقا لله وطمعا للكمال والطهر, يا ألمي على نفسي فإذا اتسخت النفس فلن تغسلها بحار العالم.
سأحرك كلماتي باتجاه القبلة من أجل الطهر والعفاف لتعود بطهرها للقارئ, نسمات عطرة تفوح في الأجواء لتحول الألوان كلها إلى اللون الأبيض لون الطهر والنور, والروائح كلها إلى رائحة المسك والعود, توقفت ذاكرتي وكاد معها يتوقف قلبي, آه يا دنيا آه لو تدرين بما يختلج في قلبي من إجلال وطهر للطهر ذاته, وأعترف إن دموعي تغسل الغبار المتراكم وتنقي الشوائب العالقة في الجو ياإلهي أشعر كأنني أدور في أفلاك عديدة.
هممت بإمساك قلمي فأحسست به باردا وكأن الحياة فارقته أسرعت إلى دقات قلبه, حيث تزدحم على عتبة قلبي أمور الدنيا,أبدو مشتتة الأفكار في حركات قلمي, لا تقلق يا سيدي القارئ هذه مجرد أحاسيس مختلطة مغلفة بالطهر والكمال الإنساني ذلك الطهر بعينه, عندما أجلس بمفردي تتسامى نفسي إلى المثالية, في هذه الأيام المقدسة نلتقي بكم في خلوة من الصفاء والنقاء أحاول أن أكسبها بالعبادة,وعزاءي الوحيد هو إنني أتعامل مع رب عادل أحبه واطمح أن يحبني .
إلى هذا العالم أعزف لحن حب ومودة إلى القطيف وانشد كلمات الشكر وإليه أرسم سلام وأكتب أحلى كلام, أهدي مقالي هذا إلى كل من رضيت بالعفاف مبدأ واحتذت بالطهر والكمال مسلكا, واسمحي لي أختي القارئة بان اهمس بإذنك قائلة: رفقا بعفتك وطهارتك وأنت بهذا تكملي إيمانك, حيث الكمال الأخلاقي قمة حثنا الدين على ارتقائها, تلك التي تعارفت عليه كل البشر على الفضائل ونبذ الرذائل.
عفوا إن تجاوزت حدودي فتحدثت بشيء من الجرأة والشجاعة الأدبية, إذ كيف تجرؤ النفس المذنبة أن تتحدث عن الطهر والكمال, وهل تستطيع الأرض مهما بلغت أن تصل لعنان السماء, إنما أردت فقط أن يطهر لساني المذنب بذكره الطاهر, وان يحيا قلبي الغافل حين يعرف سجاياه وأن تتشوق روحي لبارئها عز وجل وأي شوق ينتابني للقاء الله.
أعتذر منك أيها الطهر لقد أصبحت منبوذ من البعض لماذا, هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى إجابة شافية, لماذا ُتركت في زوايا الدنيا وأصبحت مثل التحفة التي توضع في زوايا بيوتنا! ألهذا أنت رخيص في عيون الناس؟! الطهر هو المنهج الذي بعثه الله سبحانه وتعالى من فوق السموات والأرض.
أصبحت الدناءة “عفوا” الأسلوب المتبع في عالمنا وإن كان هناك طهر وكمال فهي بنسبة بسيطة فليعذرني القارئ ,حيث بدأت تتنامى مشاكل اجتماعية كثيرة في المجتمع العربي, نحن بحاجة إلى المكاشفة ولسنا بمجتمع ملائكي ,حيث ننسى أخطائنا عندما نعترف بها لغيرنا, والمصيبة إن غيرنا لا ينسى, وإن كل أبن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون, ما أجمل رحمة الله فرحمة الله واسعة أوسع من رقعة خطايانا.
من رحمة الله بنا قد ساعدنا أن نحقق بأرواحنا كرامتنا وطهرنا, حيث نولد أقرب إلى الكمال ثم نمضي في الحياة تاركين عنا دون قصد كل الطهر والكمال, من يعتقد إنه وصل إلى الكمال في أي جانب فهو ناقص, لأن الغرور بالطبع ينفي الكمال, لا يجب أن نجعل شعارنا كل شيء و لا شيء, اللهم ارزقنا حسن النية والإخلاص في العمل.
إذا سألت عن الطهر والكمال لقلت محمدا, وإذا سألت عن العفاف لكان محمد, وإذا بحثت عن الخلق لأجبت حبيبي محمد, الطهر تجسد في شخص محمد صلوات الله وسلامه عليه.
لن ننسى السيدة الطاهرة العقيلة زينب التي عاشت في بيت الوحي والرسالة, فتربت في دار تغمرها الأنوار الإلهية تحيط بها مكارم الأخلاق, فنشأت في غاية من الطهر والعفاف والشرف الرفيع, و لماذا لا نكون مثلها بذلك الجلال المحمدي والعفاف الفاطمي, نعم لتكون قدوتنا السيدة زينب كعبة الأحزان, ولنا أسوة مع السيدة العفيفة الفاضلة خديجة بنت خويلد, زوجة نبي الأمة صلوات الله وسلامه عليه, سيدة قريش التي عرفت بطهارتها وعفتها فلقبت بالطاهرة.
كم أخجل أمام من يدٌعي العفة والنبل وإنهم كالملائكة, وعند سؤالهم أين القبلة لا يعرفوا موقعها بل يستخفوا بسؤالنا, كم أفرح وأنا أقف أمام سيدة تحمل من الطهر والعفة الشيء الجميل, يجعلني أقف إجلالا لعفتها وطهرها, وكأني المح السيدة العذراء مريم رمز الطهر والعفة والنقاء والمحبة, لنكون في عفة وطهر مريم, وليس شرطا أن نبحث عن مسجد كما بحثت مريم الطاهرة, أين نحن منك يا مريم بنت عمران لقد فقد البعض منا الحياء فلا نجد لعفة مكان آه منك يا زمان!
لنتذوق طعم الحياة أثناء قربنا من الله ونضع بصمتنا بيدنا ليبقى أثرها بعد الممات, أيتها القارئة أجعلي عفتك وطهارتك تعمل كالشمس والقمر لإفشاء النور في الأرض, فروحي فداء للطهر والعفاف وسعادتي في الحياة سمو وارتقاء.
وها أنت يا رمضان قد أقبلت وقد ترسم للطهر والعفة أجمل صوره في نفس أظلمت, فلا تتهمني يا عزيزي القارئ بالتجاوز, ولن يكتمل مقالي إلا بمرورك, حيث أترك قلمي وأعود بعد الفطور لأرتشف قهوتي في صمت و لقد غلف الصمت المكان تماما,أنهيت مقالي وذهبت حيث أريد.
فسبحان الله الرحمن الرحيم الذي تجلت رحمته, وعظمت منته في فضائله ورحمته بعباده وحكمته في تقدير الأمور على الأعمال, غفرانك يا رب.