عوداً على بدء في مبسط السمك بالقطيف، وكما ذكرت فيما مضى أن هناك كميات بالأطنان ترد السوق بأنواع مختلفة ومن عدة جهات لذلك واجهتنا في مؤسسة اسليس وكذا المؤسسات الأخرى متاعب كثيرة في إعداد الفواتير لموردي الأسماك والروبيان وكذلك للمشترين.
من المعلوم أن مقياس الوزن هو “المن” الذي يعادل 16 كغم وهو يختلف عن “المن” للتمر الذي يعادل 24 كغم كما أذكر. فإذا كانت الكمية المباعة ـ من باب المثال ـ ثلاثة أمنان وسبعة كيلوات، وسعر المن الواحد هو مائة وسبعون ريالاً فكم قيمة الكمية المباعة؟
الطريقة التقليدية هي: 3 (أمنان) × 170 (سعر المن)= 510 ريالات.
ثم نوجد قيمة الكيلو الواحد وبالطريقة التقليدية أيضاً وهي: 170 ÷ 16= 10,6 ريال.
ثم نحسب قيمة 7 كيلوات: 7 × 10,6= 74,2 ريال ثم نقوم بالجمع كالتالي: 510 + 74,2 = 584,2= 584 ريالاً، نجبر الكسر إذا كان أقل من 50 هللة. عملية حسابية بسيطة لكنها تأخدُ وقتاً وجهداً مضاعفاً ، فكيف لو كانت الفاتورة عدد بنودها أكثر من عشرين بنداً ومعظمها من الكيلوات مع ضيق الوقت وكثرة الفواتير؟! أضف إلى ذلك حسم أجرة الوزانة من مجموع الفاتورة (ريالان للمن حينما عملت في المؤسسة وبعد ذلك سعيت مع مؤسسة أكفير لجعل الوزن للمن الواحد ثلاثة ريالات ولم يرتفع السعر منذ 1412هـ للأسف). كما يحسم من مجموع فاتورة المورد الدلالة وكانت 4% ثم سعيت مع مؤسسة أكفير فارتفعت إلى 5% وبعد سنوات ارتفعت إلى 6% ثم تظهر صافي مبلغ الفاتورة المطلوب سدادها لمورد السمك. عملية حسابية يومية متكررة لا تفارقك الآلة الحاسبة، بل يلزم توفر آلة لكل موظف وتحتاج عملية إعداد الفواتير لفريق من الموظفين ليقوم بالإعداد والتدقيق على كل فاتورة ليتم تصحيحها إذا لزم.
وجرت العادة عند بعض الموردين للأسماك حين إنزال سمكه في المبسط وبيعه في الحراج أن يذهب فوراً إلى أمين الصندوق الذي يكون عادة مفترشاً الأرض وبجانبه “ليت يعمل بالكيروسين” ويعد له فاتورته يدوياً ويسلمه المبلغ نقداً، وكان يقوم بهذا الدور المرهق في مؤسسة اسليس المرحوم الحاج سلمان تنبل أبو حسين بالإضافة إلى عمل فواتير مشتريات السمك من أهل البلد وفي مؤسسة أكفير كان المرحوم الحاج عبدالكريم الحجري أبو حسين ثم تولى المهمة بعد الحاج تنبل الحاج عادل أخوان أبو مهدي .
أما فواتير الموردين وكبار المشترين فكان يقوم بإعدادها المرحوم أحمد أحمد الشيخ أبو طلال فقد كان من خبرته وفطنته أنه لا يحتاج لاستخدام آلة حاسبة إلا نادراً وفي حالة الشك فقط ومثله في مؤسسة أكفير المرحوم الحجري . وقد توليت العمل في المكتب بعد ترك المبسط وقمت بعمل ما كان يقوم به الزميل أحمد الشيخ وأصبح أحمد فقط كاتباً في المفرش ويعد بعض الفواتير، فواجهت هذا العمل المضني دون راحة ولو ليوم واحد في الأسبوع وكان وقت العمل من قبل أذآن الفجر بساعة حتى الواحدة أو الثانية ظهراً وبعد شهور أنضم إلينا في المؤسسة الأخ الوفي والشريك في نهضة المؤسسة الحاج محمد صالح الخباز أبو مصطفى، ولا يفوتني أن أذكر هنا أن المؤسسة تعطي شرهات لموردي السمك البلدي مثل “الفروة وقت الشتاء والتمر والناصفة” وكنا نحتمي بتلك الفروة من شدة البرد. ولكثرة ورود الأسماك في المبسط فقد كانت تسجل في حالة عدم وجود مشترٍ لها على حساب “الطبيشي” ويقصد به النوخذه المرحوم اسليس وتحفظ بعد تثليجها في سيارة شحن يشغل عليها التكييف ثم تعرض في اليوم التالي وقد يتكرر العمل بتثليج الكمية الزائدة في اليوم الآخر وهكذا مما دفع خال أبناء النوخذة المرحوم حسن سلمان الغريافي أبو علي في فتح العمل على سوق جدة وذلك بنقل الأسماك الزائدة إلى سوق السمك بجدة وهنا بدأ العمل يتسع وذلك باستئجار ورشة سيارات وشراء شاحنات ثلاجات حيث أصبح لدى المؤسسة أسطول من سيارات النقل أكثر من 12 شاحنة وأتذكر أنني استطعت أن أحصل على تأشيرات سائقين من تايلاند وقد ساعدنا في اختيارهم عديل النوخذة الحاج إبراهيم يعقوب العاشور أبو محمد.
في ظل هذه الكميات الرهيبة من الأسماك دفعنا شيء للتفكير ملياً في مؤسسة اسليس في البحث عن حلول نطمئن لها. لهذا غياب الموظف المميز في إعداد الفواتير كأمثال أحمد الشيخ أو عادل أبو الليل يربك العمل ويجعل المؤسسة رهينة للموظف لذلك جلست مع الصديق والزميل في شركة الكهرباء الأخ سعود النمر وتحدثت معه عن مشاكل المؤسسة والبحث عن الحلول ومن خلال تداول الحديث معه بشكل يومي أثناء تناول وجبة الغداء بالشركة طرحت فكرة استخدام الكمبيوتر وصرت أطرح عليه بعض الإشكالات عند استخدام الحاسب الآلي وهو يرد عليها بكل بساطة لخبرته واطلاعه على البرامج وعمل الحاسوب. عندئد طرحت الفكرة بتفاصيلها ومعالجة إشكالاتها على النوخذة المرحوم اسليس وطلبت منه إعطائي فرصة ثلاثة شهور كتجربة وإذا لم تنجح نعود للطريقة التقليدية فوافق عليها بتحفظ. فعدت للزميل النمر وأخبرته بالموافقة فهيأ لي الطريق مع شركة الجريسي في الخبر وجلست مع المبرمج “فكري” وبدأنا الإعداد في عام 1988م وكنت أخرج من الشركة بعد الثالثة والنصف عصراً وأذهب للمبرمج وأجلس معه قرابة ساعتين وأتذكر أنني جمعت قرابة مائة اسم من السمك وزرت شركة الأسماك وأخذت منهم قائمة الأسماك وبهذا احتوى البرنامج على جميع الأسماك تقريباً ويقدر بـ112 اسماً، ولكي نتجاوز أي نوع قد يرد السوق ولم يكن في البرنامج أضفنا اسم سمك1 وسمك2 حتى 5. احتياطاً نضيفه لاحقاً عن طريق المبرمج. في البداية اشتغلنا في مسارين؛ التقليدي والحديث والحق يقال لولا تكاتف وتعاضد الأخوة محمد الخباز وعادل أبو الليل والشاب اليافع زهير اليوسف “القفشات” لما نجحت المساعي والمشروع برمته لأنه حملهم ضعف العمل ومهما أعطت المؤسسة من مكافأة مالية لا يعادل الجهد المضني المبذول. فتم عرض نتائج العمل على المرحوم اسليس القديم والحديث فبارك للجميع وأعطى الضوء الأخضر لاستخدام الطريقة الحديثة وترك القديم وصار يدافع في المبسط عن المشروع ويؤيده ويقنع الموردين والمشترين بأن هذا الأسلوب الجديد في إصدار الفواتير بالكمبيوتر يحفظ حقوقهم كاملة دون نقص وأفضل من العمل اليدوي كثير الأخطاء. ولا شك أن إدخال الكمبيوتر في العمل يعتبر نقلة نوعية وتطوراً كبيراً في المحاسبة. وقد اقتدت بقية المؤسسات بمؤسسة اسليس بعد سنتين أو أكثر، ومن نافلة القول أن نذكر أننا بعد فترة تعاملنا مع مركز الوسيط بالدمام للمهندس أحمد النمر الذي أعد لنا أيضاً برنامجاً أفضل من السابق وبعد فترة تعرفنا على الأستاذ محمد الكزاز أبو حسن وهو مدرس في الكلية التقنية بالقطيف واتفقنا معه وعمل لنا برنامجاً أفضل من سابقيه وكان يحضر للمؤسسة يوم الخميس ويداوم معنا حتى الظهر يقوم خلال هذه المدة بإدخال أي تعديل أو تحسين أو معالجة أي مشكلة واجهت الموظف المختص زهير القفشات بإدخال البيانات وظل الوضع هكذا حتى تقاعدت من المؤسسة.
المرحوم اسليس أول من قطع ودام النوخذة: من المتعارف عليه في مبسط السمك يقوم الوزان بأخذ سمكة من نواخذية سمك البلد بعد الوزن بحيث لا تؤثر على العدد الصحيح للأمنان، وتجمع تلك الأسماك من بقية الصيادين فقد تصل إلى “من” أو أكثر حسب كمية الأسماك الواردة للسوق. وأتذكر في عز الشتاء القارص وأيام المرابعين الساعة الواحدة ليلاً “وقت استراحة المحارب” يأخذ المرحوم اسليس سمكة عدلة ويضعها على النار التي نتحمى بها ثم يأكل منها الجميع وهم يضحكون من النكت التي يطلقها النوخذة اسليس، كان أبو عبدالله وقت الجد جد ووقت الراحة إنساناً آخر من الطيبة وحسن المعاشرة والتواضع الجم الذي يتمتع به. ولجودة هذا السمك يشتريه المرحوم علي المرزوق بأغلى الأسعار لأن لدية زبائن مخصوصون.
المهم ظل هذا الوضع المعتاد قائماً ثم قرر المرحوم أبو عبدالله قطع هذه العادة القديمة وقال طالما نأخذ من المورد نسبة على الدلالة فما هو الداعي لأخذ سمكات من حلاله؟ وقد نحى الباقي فيما بعد نحوه. رحمك الله يا أبا عبدالله قليل مثلك شخص يتمتع بكاريزما خاصة إذا طب السوق حركها يميناً وشمالاً ويخلق جواً من التنافس الشريف ويدلل على السمك بطريقة احترافية وسريعة وبصوت عال يشعر صاحب السمك بالثقة ويعرف من يشتري سمكه وبكم.
أما في النهار فتراه جالساً في المكتب يتحدث مع صغار وكبار الصيادين. ويساعدهم بإعطائهم قروضاً قد تصل إلى مائتي ألف ريال تسدد لمدة ثلاث سنين. كما تراه يجلس مع الموظفين ويسولف عن قصص جرت له فيضحكهم ويأكل معهم ويساعدهم أيضاً إذا أحتاجوا في شراء أرضٍ لهم بدفع قروض لهم تسدد من رواتبهم قد تصل إلى أكثر من ثلاث سنين. ولكونه عمل في السوق وهو في سن صغيرة فقد تعب حقاً فقرر أن يتقاعد من عمله بمحض إرادته في عام 1413هـ، بعد أن تأكد أن جميع أموره تسير من حسن إلى أحسن بفضل نخبة من العاملين المخلصين والمتفانين في مؤسسته المباركة. نشير إلى أن ابنيه الأستاذ عبدالله والأستاذ طارق -حفظهما الله- قد توليا إدارة المؤسسة عام 1419هـ ووسعا دائرة العمل وحولا المؤسسة إلى شركة ولا يزالان يعملان مع أخويهما علي وحسين والبنات في إدارة الشركة وفروعها. من القلب أدعو لهم بالتوفيق.