نحن أمة “اقرأ” ولكن مع شديد الأسف هذه الأمة لا تقرأ، فالسواد الأعظم منها لا يعير لأمر القراءة اهتماماً، بل والأكثرون هجروا الكتاب والقراءة من غير عودة، وبقي منهم عدد زهيد جداً لا يقارن بعدد وحجم أمتنا العربية العظيمة وبالنظر إلى الأمم الأخرى نرى ونشاهد الاهتمام الملحوظ بالقراءة والبحث وتطوير الإنسان على جميع الأصعدة العلمية والأدبية بأشكالها المختلفة.
ومما لاشك فيه أن المثابرة على القراءة والاطلاع المستمر تزيد الفرد معرفة وتنمي لديه المحتوى المعرفي والفكري بشكل عام، وبعدها يصل الشخص لمخزون كبير من الثقافة وتراكم الخبرات، ينتج عنه أفق واسع لا محدود من مقومات الشخصية المكتملة ذات البعد الإنساني والاجتماعي والأخلاقي الواسع، مما يمنحه ثقة أكبر بنفسه وقدرة على التعبير والتحدث أمام الآخرين مما يتيح له العديد من الفرص لتطوير نفسه في جميع المجالات.
ونحن في مملكتنا الغالية المملكة العربية السعودية – حماها الله – نمتلك عشرات المكتبات العامة التي تشرف عليها وزارة الثقافة والإعلام والتي تنتشر في جميع مناطق البلاد وتحتوي على جميع أنواع الكتب والمجلدات وفي شتى المعارف والعلوم وأبوابها مفتوحة للجميع، كما يوجد كذلك اهتمام بالغ وكبير بإقامة معارض الكتاب بشكل دوري ومنتظم، وذلك بهدف استقطاب أكبر عدد ممكن من الزوار، وخصوصاً فئة الشباب للاستفادة من تلك المحافل ومجامع العلم وتشجيع الناس على القراءة والتزود واغتناء الكتب المختلفة بهدف رفع مستوى الوعي وبناء جيل محب للاطلاع وترسيخ العمق الثقافي والأدبي والعلمي.
إن أهمية المطالعة لا ينكرها أحد، ولا يختلف في ضرورتها إنسان، ولا ينكر فوائدها منصف، حيث تمكن صاحبها من الاطلاع بشكل عميق على الثقافات والمعارف والعلوم المختلفة، وبالتالي يعود نفعها لكل من الفرد بشكل خاص والمجتمع بشكل عام.
كما أن الدراسات تظهر أن الأفراد كثيري القراءة هم أكثر وأفضل اطلاعا وثقافة من أقرانهم غير القارئين، وكذلك هم أكثر وعياً بمحيطهم وأكثر قدرة على التفكير في سلوكياتهم وسلوكيات الآخرين، حيث تتيح القراءة اكتساب مجموعة واسعة جداً من المهارات التي تطور وتصقل شخصياتهم وتزيد من علمهم ومداركهم، إضافة إلى كون القراءة – وبحسب الأطباء – لها أثر صحي على الدماغ، ومن شأنها أن تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر والخرف بسبب تقدم العمر، حيث تساعد في تنشيط الدماغ والحفاظ على عمله وانخراطه في الكثير من العمليات، مما يمنع فقدانه للطاقة وإصابته بالكسل.
كما تعطي العقل القدرة على تحليل الأحداث من حولنا وربطها ببعضها للتوصل إلى النتيجة في نهاية الأمر، وكذلك يتمكن من استخلاص أفكار مناسبة لحل العديد من مشاكل المواقف التي قد يمر بها الإنسان، وتجعله قادراً على الانتباه للتفاصيل، وعلاقتها بالأحداث وأيضاً تبادل الأفكار والانفتاح على طريقة تفكير الآخرين والقراءة بحدِ ذاتها هي من أكثر الوسائل التي توفر المتعة والفائدة في آن واحد، وخصوصاً إن كان هذا الشخص من الأشخاص الطامحين لتطوير ذواتهم وكذلك نمط حياتهم وأعمالهم المختلفة، وأن يصلوا إلى ما يصبون إليه من طموح وأهداف.
وتكمن أهمية القراءة في كونها الطريقة المثلى التي من خلالها يكتسب الإنسان المعرفة وبشكل مستمر غير منقطع؛ فالكتاب الواحد يعطي القارئ خبرة كبيرة وعالية.
من هنا تُعد القراءة من الأمور المهمة جداً التي يتوجب على الجميع وضعها على رأس أولوياته؛ بحيث تصبح جزءاً مهماً من أنشطته اليومية، ومن المعروف أن القراءة والمطالعة حالها كالرياضة الأولى تنشيط للصحة والثانية تنشيط للذاكرة، مستذكرين العبارة الشهيرة – العقل السليم في الجسم السليم – إذاً مما سبق ذكره لا يوجد أدنى شك أن القراءة هي بصيرة الإنسان وبها تفتح الآفاق وتزيد من قدر المجتمعات وكذلك ترفع مكانة الأفراد ومن خلالها يتبوأ الناس أفضل المقامات، قال تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) سورة العلق.
نعم ما كان للبشرية أن تصل إلى ما وصلت إليه في وقتنا الحاضر من تطور كبير وعلوم مختلفة كالطب والهندسة والتكنولوجيا الهائلة بشكل عام إلا من خلال القراءة والاطلاع والمثابرة على ذلك ما أمكن، فكلما قرأنا تمكنا وبنينا لأنفسنا ولشبابنا ومملكتنا موقعاً رفيعاً وهيبة عالية ومكانة عالمية مميزة في محيطنا المحلي والإقليمي والدولي، لكي ينظر لنا بعدها بعين ملؤها التقدير والاحترام.