الحياة ليست واحدة

الحياة ليست حياة واحدة، بإمكاننا أن نجعلها أكثر وباستطاعتنا أن نعددها أكثر ونحياها أطول وأطول، فما علينا سوى الخروج من حياتنا الروتينية التي نعيشها في غالبنا على مدار الأعمار، نحصرها بين الدراسة أو العمل والمنزل وما بين ذلك من مسؤوليات يقوم بها معظم الناس.

للحياة معانٍ أخرى وللعمر امتداد، ويستطيع المرء أن يضاعف عمره وهو حي فوق هذه الأرض وتحتها أيضاً بعد طوال أعمار لنا ولكم.

مما يؤسف له أن جداول حياة الكثير من الناس هي جداول روتينية لدرجة الرتابة والتشابه على مدار الساعة، يستنفدون أوقاتهم وأعمارهم دون أي معنى وقيمة، فقط دائرة محدودة ومفرغة حيث يضيع الوقت سدى وتتراكم السنين وينقضي العمر ويذهب صاحبها دون أن يخلف بصمة تخلده.

إن كنا نريد أن يكون لحياتنا معنى حقيقي ولوجودنا قيمة فعلية فعلينا أن ننتفض ونخرج من عباءة الروتين والبحث عن ذواتنا من خلال ممارسة الحياة بمعناها الأتم، فالحياة غنية بما تفضل به علينا ربنا سبحانه وبسط لنا فيها نحن بني البشر من خيره ونعمته، كما أنعم علينا بملكات ذاتية وقدرات متنوعة ما علينا سوى إخراجها والكشف عنها وتوظيفها لصالحنا وصالح غيرنا، فنحن من نستطيع بمشيئته أن نمدها كأنها تدوم أبدا، ونحن أيضاً من يسبب قصرها كأنها تنتهي غدا.

ملكاتنا ليست مدفونة، بل تراودنا ونشعر بها، فقط نحتاج إبرازها وتوظيفها لتكون إضافة لحياتنا ولأعمارنا، فتمدها وتضاعفها مرة ومرتين وأكثر.

ما على الإنسان منا سوى البحث في نفسه ومكنونه، إلى ماذا يميل وما الذي يختزنه أو هو قريب منه؟ ما هي الملكة تضج في أعماقه؟ ما هي الحافزية التي تدفعه كلما سمع أو رأى أو قرأ عنها واستمتع إليها وارتاحت لها حواسه ومشاعره، وأشعلت الرغبة في باطنه لأن يمارس ما يراه ويسمعه ويتلمسه من صنيع الآخر؟

ماذا يحب وإلى أين يميل، هل هو الرسم أو الشعر، للأدب عامة، أو للقراءة أو الكتابة، هل يميل للعمل خاص، أو العمل التطوعي والاجتماعي؟ هل يحب البحر أو الأرض أو السماء أو السفر والطيران؟ هل يميل نحو التكنولوجيا أو العلوم الدينية، أو أن يكسب المهارات ويلتحق بالدورات المختلفة الثقافات والصناعات، وخلاف ذلك الكثير.

إن من شأن ذلك أن يصنع للمرء حياة ثانية وأكثر، ليعيش امتداداً وتكراراً لعمره وحياته، ويديم بقاءه وذكره، فلا يعيش الفراغ أو انعدام القيمة الشخصية بين الناس، ولا ينتهي بنهاية أجله، حين يخلف صنعة أو حرفة أو مكانة اجتماعية، أو ينقش ذكره على صفحات الزمن، يشعل إشراقة وضاءة تنير الدروب لغيره فيسلكونها ويزرعون على جنباتها الألق والإبداع فتينع بالجمال والبهجة وتمتد به وله ولهم أبد الآبدين.


error: المحتوي محمي