حقائب سفر لا يحملها عَتّال!

اتفقنا أنا وصاحبي أن نسافر، ليس الآن بالطبع ولكن بعد عودة الحياة إلى قربِ طبيعتها المعتادة. بلد لم أزره من قبل فبدأت أقرأ وأشاهد ما توفر عنه من معلومات تنفع في الرحلة. وبدأت أفكر ماذا أضع في الحقيبة؟ وهي ليست إلا عشرون أو ثلاثون كيلو جراماً من الوزن! وكيف أحملها في المطارات؟ ثم تذكرت أليس في كلّ مكان يرتحل له الناس عتَّال، يأخذ أجرة ويحمل الحقائب؟ وإذا زاد حملها عن المسموح به، فسوف أدفع عوضاً عن حملِ ما زاد.

كل هذا التوجس من رحلةٍ قصيرة! ولم يعنني كثيراً تذكر رحلةٍ طويلة وصعبة، مفروضةٌ على كلِّ الناس، لكن – لا أنا ولا الناس – نعير حمل حقيبة هذه الرحلة وما نضع فيها، وما تَزن، مثقالَ ذرةٍ من الاعتبار. رحلة ليس فيها حمَّال يحمل حقائب غيره، وما زاد يحمله – هو – المسافر على ظهره، والميزان عدلٌ لا يحيد ومعاكس لموازين الدنيا!

شرط العبور في الرحلة هو: أن من ثقلت موازينه وحَمَلَ في حقيبته ما يزيد من الإيمانِ بالله والعمل الصالح، فهو في عيشةٍ راضية كل الرضى. ومن خفت موازينه من الأعمالِ الصالحة عليه أن يحملَ الخطايا الزائدة على ظهره عرياناً ذليلاً مثل الحطاب المنهك الذي يحمل الحطبَ الذي اقتطعه من الغابة،  ليسقط في أسفل سافلين، والرحلة في كلتا الحالتين شاقة وطويلة.

ولأن اللهَ عدلٌ لا يجور، يعطي كل المسافرين توجيهات الرحلة ونوع الأحمال المطلوبة ليستعدّوا قبل أن تفوتهم الفرصة بانتهاء أعمارهم، ويشتروا حاجات السفر التي من خلالها يثقل الميزان. وعلى كلِّ المسافرين بأنفسهم أن يختاروا ما ينقلون، فليس بمقدورهم عند وزن حقائب السفر القول بأن الأمر التبسَ أو اختلطَ علينا، أو رَمي الحقيبة على كاهل أحد سواهم. ولأن اللهَ رحيم فهو يذكرنا أن الرحلة قريبة جداً، ومنذ زمن بعيد يقول: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ}. من أجل أن نعرف أن بوصلة الزمن تشير للأمام على الدوام وتُذكر بغروب شمس الدنيا واقتراب إشراق يوم القيامة في كلِّ يوم.

أجمل ما في ميزان حقائب هذه الرحلة هو دقته وضبط قياساته، فلا يضيع أي غرضٍ في الحقيبة ويعرف ما خفي في جيوبها حتى إنه يقيس أصغرَ وحدةٍ في الوزن {وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ} من عقابٍ أو ثواب، ولا يترك صغيرةً أو كبيرةً إلا أحصاها!



error: المحتوي محمي