دُعيت للكتابة بعد توقف طويل، لم أحرر رداً على الدعوة حتى الآن، رغم أنها أيقظت في أعماقي أجراس العودة، فكرت كثيراً في خلق العناوين، وسرب الأفكار من أعماق روحي وتجاربي، لا شك بعد أن بلغت من العمر مضياً، وبعد أن خضت أغوار التجارب بحلوها ومرها متقلبة بين أطباق وغمرات المواقف، مما رأيت وعاشرت من أصناف البشر وألوانها، وفنونها وأشكالها، المتباينة والمتلونة والسطحية منها والعميقة، ومن يدّعي الفهم وفردانية الثقافة والوعي واحتكار الفضيلة والمدعين والماكرين والمستهزئين والمتسلقين والانتهازيين والاستغلاليين والمارقين، أكاد بقلمي هذا أن أحول لون هذه الورقة البيضاء إلى شواغب ملونة بالرمادي وألوان الدم وفتات الطين المنشقة من الوحل والهشيم.
لا شك هناك ثلة ممن ينبعث من دواخلهم الضوء وتعشوشب في أعماقهم الفضيلة والمحبة والرفق الذين أصواتهم تعلو على صرير الضجيج المارد، في معارك الحياة جاهرين بنداء “لا تفقد الأمل ولا تنزع الحلم مهما كان هذا الحلم”.
لم أشأ أن أوقظ وجداني وقلمي في ليلة ظلماء عاصفة بالهواجس والخيبة والخوف، وأجرع قارئ حروفي جرعات من التشاؤم والضجر لكني وجدت ذلك وقبلت به بوصفه جزءاً من الحياة والواقع، ولم أجعله عائقاً بل مضيت متقدمة رغم نداءات قلبي الموجوع (عد أدراجك).
ما بال قلمي لا يسلك سيرته الأولى، أين يمضي بي؟ وإلى أي مدى؟.. العودة إلى الأوطان بعد الهجر مخيفة، وربما مضطربة وفاضحة.
هل للكتابة نشوة ولذة أكاد أسترجع ألق تنفسي وكأن لي رئة فتية، جددت دمائي، وغذت وجداني بالراحة وأسلمتني عناوين مضيئة متفاوته البريق هو الشوق أو التنفيس أو الحلم المؤجل، أي راحة وطلاقة وشوق يتراقص هذا القلم على هذه الأوراق البيضاء المخططة، يا لهذا القلم المهجور بين طيات علبته السوداء المخملية رغم أناقتها فضل الخروج والرقص والحرية هاجس الحماس والشوق لإطلاق حلمي المؤجل أن يبقى حلماً، استيقظت فيه برهة من عمري ، ثم تركته يغط في سُبات عميق لا أدري هل أعدو قدماً أم أبقيه حلماً أبدياً.