ابن سيهات حسن الرميح أَيْقُونَة الموهبة والإبداع

تُبرز المجتمعات التنافسية مكانة الفرد المُتميز؛ لأنه يمتلك القدرة على اكتشاف مواهبه الحقيقية، ويعمل على تطويرها ليواكب طموحه المنسجم مع تيار المنجزين.

حسن الرميح أَيْقُونَة الإنجاز في مضمار الحياة الاجتماعية، مُتجذّر في الموهبة، له صوت رَخِيمٌ عندما يتلو القرآن، أو ينشد الشعر.

قصةُ حسن مزمارُ إنشادٍ، أنغامه لحن جميل يتَرَنَّمَ به روّادُ الإنجازِ، يقتفون أثره، ويسيرون خلفه.

دعوني أحدثكم أكثر عن حسن الرميح، الطفل الموهوب البالغ من العمر ثلاثة عشر عامًا.

وُلِد حسن بأطرافٍ قصيرة جدا، وطال مكوثه طويلًا بالمستشفى بعد ولادته فخرج بعد ستة أشهر وانضم على أثر ذلك لكوكبة أصحاب الهمم الشامخة.

أصبح حسن من ذوي الاحتياجات الخاصة لكن قدراته العقلية ومهاراته المتعددة جعلته متفوقًا على أقرانه، وهذا ما لاحظه أفراد أسرته.

يُمثل حسن النموذج الصّنْدِيد الذي تكيّف مع وضعه، ولن أقول تكيّف مع إعاقته لأنني مؤمنة بأن الجميع يمتلك “على أقل تقدير” إعاقة واحدة مستورة عن أعين الناس، ويعيش البعض بإعاقة مكشوفة أمام الآخرين ولكنها ليست إعاقة وإنما علامة فارقة تميزه عن الآخرين، لذلك فإنّ حسن بالنسبة لي يشكل رؤية تفاؤلية في مسار الإنتاج الإنساني المبدع.

لقد استطاع حسن أن يكون قادرًا على إدارة الموهبة والتفوق والإنجاز بأطرافه القصيرة، فأتقنّ قواعد اللغة العربية وبحور الشعر العربي، واجتاز برنامج “موهبة” بجدارة، مما أهله للتسريع من الصف الرابع للسادس مباشرة.

ما إن تسمع حديث حسن وشجاعته الأدبية في الطرح والنقاش، حتى تدرك أن خلفه أمًا رائعة هي السيدة أمينة المسكين التي غرست في أعماقه ألّا مستحيل أمامك بنيّ، فكان لها الفضل في اكتشاف مواهبه وهو في عامه الثاني.

لقد بدأتْ معه مُشوار الألف ميل فاستطاع أن يقرأ بسنّ مبكرة جدًا مجوّدًا للقرآن الكريم حافظًا له.

يمتلك حسن من سرعة البديهة ما جعل والده السيد محمد الرميح – معلم اللغة العربية – يتَنَبُه لموهبته ويدرك المدى البعيد لقدرته في تلقي المزيد من العلوم فكثّف جهوده مع ابنه.

وكان تعليمه له في مناهج متقدمة على مستواه وليد مهارات عديدة بدت على ابنه، فأشرف على تعليمه علوم اللغة العربية والتاريخ والسّير، كما أتقن حسن اللغة الإنجليزية في سنّ مبكرة ومازال يواصل البحث وتعلّم كل شيء جديد.

مدّ بعض النشطاء الاجتماعيين يدَهم بالاهتمام لحسن، فكانوا يبرزون مواهبه في الكثير من المحافل الاجتماعية، مما أبعد عن حسن شبح الخوف من المجهول، وأصبح له صوت مألوف، وابتعد عن تسطيح النجاح بعمق التجربة، والظهور أمام الآخرين بسلسلة من المُنجزات.

وبالرغم عن صغر سنه، إلا أنّه يمتلك ثقافته الخاصة بالاختبار الإلهي للإنسان في المقام الأول، والرضا بقضاء الله وقدره بجميع صوره.

لم يتسرب له اليأس يومًا من إعاقته ولم يحزن لأنه مختلف عن أقرانه، بل حذف الخوف من قاموسه، وأبعد انعدام قابلية الآخر عن وجهته.

الإعاقة عند حسن تُرهات غير منطقية لا وجود لها في عالمه لأنه ربط أفكاره بالشمس فحلّقت به نحو الآفاق.

‏أراد أن يحلم فجاء الواقع أجمل بكثير من الحلم.

‏عزيزي حسن:
تبدو لي مثل تلك المجنّحات الصغيرة تطير ما بين عندليب وبلبل، ولكنك تشدو بأعذب من ألحانها، وسيرتك الفوز على أقرانك.

بُني حسن؛ أراك تنتزع الانتصار من الإعاقة، وأراك تُزيح الصخور عن مسالك الناس بإرادتك الصلبة، فهنيئًا لك هذا الصمود.

إن ترسيخ هذه الشخصيات الإيجابية في حواراتنا الناجحة ينمّي قدرتهم على العمل المثمر ويخلق لديهم الرغبة القوية بالانطلاق في ميادين الحياة، والتّحرر من سطوة عدم الثقة بالنفس أو الخوف لأن إرادتهم نصف إنجازهم، يقول الشاعر:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم



error: المحتوي محمي