الزهراء (ع) منارة هدى

أي رسالة كبرى تلك التي حملتها وتضمنتها شخصية مولاتنا الزهراء (ع)، والتي بأدنى تأمل نكشف عن الكمالات والفضائل التي جسدتها على أرض الواقع؟

بحق سيرتها (ع) تمثل منهجية لصناعة الشخصية الإنسانية وتنمية الملكات والقدرات في مختلف الجوانب والأصعدة والعلاقات، أفلا ينظر أهل البصيرة والفكر الواعي إلى علاقتها بربها، والتي اتسمت بالإخلاص واغتنام الأوقات في محالفة محراب الطاعة والعبادة، إذ أن نفحات الطمأنينة والأنس وهدوء النفس من معطيات ذكر الله تعالى، وهذا ما يدل عليه أدعيتها ومناجاتها لرب العباد.

ولم تكن تلك الطاعات في انفصال وانزواء عن أحوال جيرانها والمؤمنين من حولها، بل إنها ما إن تنتهي من صلاتها حتى تتوجه للصمد بأن يقضي حوائج العباد ويلطف بضعفهم ويسهل عليهم أمورهم، وهذا يدل على اهتمام وعناية منها بالاطلاع على هموم المؤمنين وآلامهم، فهذا التلاحم الوجداني نسق في نظم العلاقات الاجتماعية ورابطة تقوم على صفاء ونقاء النفس من كل المشاعر السلبية، فمن أراد أن يتخذها نبراساً لحياته فلتكن تلك المضامين الروحية والقيم الأخلاقية حاضرة في فكره وسلوكه، وإلا فإن العبادة إن افتقدت تلك القيم كانت مجرد طقوس جوفاء لن تساعد على الارتقاء والسمو النفسي، فالزهراء (ع) في منهجيتها شفاء للنفوس من علل وآفات الأهواء النفسية، وانظر – يا رعاك الله تعالى – لو أن القيم الفاطمية سادت وبرزت في العلاقات الاجتماعية السائدة بيننا، ماذا سيكون عليه تواصل أفراد المجتمع من احترام ومحبة وثقة وتعاون تشد عضدهم!!

والمنهج التعليمي رسالة استنهاضية للحالة المعرفية والثقافية في المجتمع قامت بها مولاتنا الزهراء (ع) سواء عند الجانب النسائي أو الرجالي، فهذه خطبها وكلماتها النيرة تمثل زاداً معرفياً لأصحاب الهمم العالية ومائدة تلتف من حولها العقول للتباحث واستخراج العبر واستنتاج تلك المفاهيم والأسس المنهجية، فالكل مدعو للقراءة المتمعنة في إرثها المعرفي مما ورد في الروايات الشريفة عن كلماتها ومواقفها؛ ليستنير بها في متاهات الحياة ودروبها المتشعبة.

كما أنها مارست دورها التبليغي والإرشادي بين نساء أمة أبيها رسول الله (ص) فكانت الجناح الآخر في طريق الاهتداء للحق والفضيلة، إذ كانت (ع) تعقد الجلسات العلمية لتعريف النساء بأمور دينهم في الجانب الفقهي وما يتعلق بتلك المسائل الابتلائية، كما أنها أخذت بأيديهم للتعرف على معاني ودلالات الآيات القرآنية في دروس التفسير والتدبر.

حركة الإصلاح والتغيير النفسي تستمد منهجيتها وأسسها ومعالمها من سيرة وعطاء الزهراء (ع) المعرفي والأخلاقي، وإن التفاعل الحقيقي معه ينم عن فكر ناضج ونفس متطلعة للتدرج في مراقي الكمال والرفعة، ويتم ذلك من خلال الاندماج مع رسالتها (ع) والسير العملي مع مفرداتها، بحيث تكون سيدة نساء العالمين (ع) حاضرة في جميع مناحي حياتنا وعلاقاتنا، فلا نتنحى عنها (ع) في أي خطوة نقدم عليها لكي نحظى بشيء من نور الزهراء المبدد لكل ظلام من حولنا.


error: المحتوي محمي