يوميات قلم «5»

التكريم ثقافة، ومن يعرف سرها، ويسرح في بساتينها، يقطف أحلاها الفواكه، وأطيبها الثمار.

لم يدر في خلدي، أن الذكريات الحُبلى بالنشوة المعنوية، تستمر في قادم الأيام، يعيشها صاحبها في ذاته، كقطرات المطر، تنساب على شفتيه بلسمًا، وفي عينيه، كحدائق، تراقصها الألوان، وتدغدغها رائحة الفل والياسمين.

وما أجمل أن يحمل الإنسان ثقافة التكريم، ليقرأ أبجدياته من خلال عشقه للآخرين، ويشعر بأن إنجازه، يشاركه الآخرون فيه، أن يتمتع بالحالة الكلية، لا الفردية، أن يذكر أثناء وجوده على المنصة، أولئك الذين، كانوا المعلم له، كانوا الداعم له، الذين همسوا في أذنيه، بأن يخطو خطواته الأولى، بأن يستمر في العطاء، يفتحون الشرفة باتجاه عينيه، وتطلعاته، ليرتشف الضوء، ويبصر الطريق ناحية النجاح.

أن يكون تميز الآخرين، يأتي تميزاً لك، حينها، ستفهم كيف جاء المبدعون، مع الضوء، لينجوا بصمتهم، ويذكرهم التاريخ، بأنهم ذات يوم، كانوا هنا، وهذا جهدهم، إنهم في قلوب المجتهدين، يحذون حذوهم.

التقينا مجددًا، ولم نكن على موعد، أبصرته واقفًا بجانب أمواج البحر، الخفيفة الظل، اقتربت منه، تفاجأ، لظلي، ابتسم، كعادته، شاغبته، سائلًا: أراك مستغرقًا في التأمل، أيها القروي الجميل، أجاب: يا صديقي، أراني أتذكر يومًا كنت فيه على منصة التكريم، سألته: هل تخبرني عنه، لدي رغبة كبيرة، تستفزني على ألحان هذه الأمواج الزرقاء، أجاب: إذًا أصغي، أجبته: كلي آذان صاغية.

في يوم الخميس، بين ساح فندق الشيراتون بمدينة الدمام، عام 24/12/1420هـ، الموافق 30/3/2000م، المناسبة تكريم الإعلامي حسين عبد الله كاظم.

كانت أمسية وفاء، وعرفان لا تنسى على مر الأيام والسنين، أقامتها لجنة التكريم الأهلية بالمنطقة الشرقية، برئاسة الرئيس الفخري للحفل، معالي الشيخ فيصل بن محمد الشهيل، بحضور رؤساء الأندية، والشخصيات الرياضية، الاجتماعية والزملاء الإعلاميين، أقيم الحفل، كان بعنوان: تكريم لمسة وفاء للإعلامي حسين كاظم.

أتعلم، يا صديقي، لقد شعرت فيها بشعور كبير لا يوصف، بل كانت ليلة من ليالي العمر، التي لا تنسى، وغبطة كبيرة، جعلتني حينها بلا هموم، كأني منقطع عن الذات، اللحظة، جاءت تغمر النفس بلطف الأشياء، فقد أطلق عليها الزملاء، بقولهم: الليلة ليلتك يا نصير الألعاب المختلفة، ويا عريس الإعلاميين.

قاطعته: يا لروعة دفء الزملاء، وهم سعيدون، تعلوهم البهجة.

تابع حديثه، ومثلي لا يزال يصغي: ما جعل الأمر مثيرًا، بأن يكون مثل هذا الحفل للإعلام، ومن انتسب إليه، فقد تعود الناس بأن يكرموا لاعبًا معتزلًا، ناديًا حقق بطولة خارجية، أو داخلية، ولها صيت جماهيري، لاعبًا حقق إنجازًا للوطن،  وغيره من الألقاب، أما أن يكون حفلًا بضخامته، وفي فندق خمسة نجوم – كما يقولون – وحضور غفير لكوكبة من الشخصيات، ورجال الأعمال، والإعلام، واحتضان برنامج رائع، فلم نسمع، بل إنه تكريم الإعلامي حسين كاظم، حقًا، كانت فاتحة خير، لتكريم رجال الإعلام، الجنود المجهولين.

هكذا، تأتي حروف الأنقياء من الزملاء، هكذا يفتخر بالمنجزين، أن تشاركهم إنجازهم، أن تجعل من نبضات قلبك، تتراقص على أنغام عطاءاتهم.

انتابه الصمت، محدقًا في عيني، اللتين ترتعشان من برودة لفح البحر وزرقته، كأنه أرادني أن أقول شيئًا ما، ومن نافذة هذا الإحساس بأعماقي، وتأملي، لصمته، كتبتها على وجنتيه: أيها القروي الجميل، إن ثقافة التكريم، ليست تكريمًا ماديًا فقط -مع أن التكريم المادي له فاعليته الإيجابية وأثره الطيب- ولكن التكريم المعنوي، له ذات الإيجابية، وظل الأثر الطيب، نحن يا أيها القروي الجميل، نفتقد الكلمة الطيبة – بنسبة ما – الأحرف المحفزة، الفخر والاعتزاز بما يبدعه غيرنا، نحن بحاجة، لأن نفرح، لإنجازات نظرائنا في الإنسانية، أن نتعلم من تجاربهم، أن نشير لهم بالبنان، أن نذكرهم هنا وهناك، أن نرفع رؤوسنا، كالقمم الشماء، فخورين بأبناء وطننا، أن نصفق بحب، أن نقرأ كل قصيد العشق والفخر والثناء، لنتغنى بكل المبدعين والمبدعات في جميع أنحاء الوطن، الذي منحنا كل شيء، لنمنحه الإبداع، والابتكار، والتميز.



error: المحتوي محمي