رمضان يا سيد الشهور

قال تعالى: ﴿ يأيها الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)

قبل أن ننغمس في نهر رمضان ونغترف من فيض الرحمن ونرتل القرآن، نقف ونصلي وندعو في ليالي شهر الرضوان شهر العطاء والتوبة والخير ونحن في الضيافة العظمى لهذا الشهر العظيم. اسمحوا لي أن اعبر بمقالتي هذه إليكم وبين سطورها احي فيها نفوسكم المشتاقة والمنتظرة لهذا الشهر الكريم.

أحبتي القراء كلمة أستهلها بالتحية والسلام وقد أشرق عليكم الصباح وأشرقت وجوهكم المبتسمة بأنفاسه, وكل واحدا منا يصافح الثاني عند اللقاء والوداع بكلمة رمضان كريم, ما أجمل هذه العبارة التي يتبادلها الناس مع حلول الشهر الكريم، شهر الرحمة والمغفرة، شهر رمضان ربيع القلوب وحياة النفوس ومبعث الخير ووسيلة التقرب إلى الله تعالى، رمضان محطة التغيير الذاتي الكبرى ومدرسة يتعلم فيها القيم والمبادئ الأخلاقية والروحية, فما أحوجنا أن نقف مع أنفسنا وقفات محاسبة استعدادا لطاعة الله في شهر الكنوز.

تختلف نفس المسلم بطبيعتها عن باقي النفوس؛ فتراها تتطلع شوقاً إلى أنيسها وحبيبها، وتنتظره بحرارة الصبر، وشوق المشتاقين، وتتلذذ بأجوائه الروحانية الزكية، كما يتلذذ العطشان حينما يشرب الماء, بلا شك أبواب الدعاء مفتوحة, دعونا نبادر بالدعاء والتوسل . ونستقبله خير استقبال بتهذيب أرواحنا وملئ أفئدتنا بالطمأنينة ومحاربة الشيطان ومجاهدة النفس. حيث للصوم أبعاد آثار غزيرة لدى المرء المسلم وأهمها البعد الأخلاقي التربوي, لتلطيف الروح وتقوية الإرادة, لما لها الأثر في ذات المرء المسلم,رغم إنها قيود وقتيه تمنحه القدرة وقوة الإِرادة وعزيمة الكفاح، كما يبعث في نفسه النور والصفاء بعد أن يسيطر على غرائزه الجامحة, وبعبارة موجزة: الصوم يرفع الإنسان من عالم البهيمية إلى عالم الملائكة وعبارة (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) تشير إلى هذه الحقائق, إلى جانب أثره الاجتماعي الذي لا يخفى على أحد لما للصوم من المساواة بين المسلمين ويمنح لونا حسيا ، لذلك يقول الإمام الصادق عليه السلام في جواب عن سؤال بشأن علّة الصوم: (إِنَّما فَرَضَ اللهُ الصِّيَامَ لِيَسْتَويَ بِهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَذَلِكَ إِنَّ الْغَنِيَّ لَمْ يَكُنْ لِيَجِدَ مَسَّ الْجُوعِ فَيَرْحَمَ الْفَقِيرَ، وَإِنَّ الغَنِيَّ كُلَّمَا أَرَادَ شَيْئاً قَدَرَ عَلَيْهِ فَأَرَادَ اللهُ تَعَالى أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ خَلْقِهِ، وَأَنْ يُذِيقَ الْغَنِيَّ مَسَّ الْجُوعِ والألم، لِيَرُقَّ عَلَى الضَّعِيفِ وَيَرْحَمَ الْجَائِعَ).
لا احد يغفل عن البركة العظيمة لهذا الشهر العظيم والتي تتمثل في إثارة المشاعر لدى المسلمين, حيث التعاطف والتراحم وبث المودة بين الجميع, لعل مائدة الرحمن تجمعهم على حب الله لتسمو النفوس في رحاب رحمة الله.وهنا الفرصة لنا نحن المسلمون لتعزيز إرادتنا وتقويتها حيث لا للكسل لا للسلوكيات المؤذية الخاطئة لا للهو لا لإضاعة الوقت, وهنا نقف احتراما لقدسية هذه الآية الكريمة ( كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) وهنا نصل لهدف الصيام لتنمية ملكة التقوى والورع عن تلك المحارم.

وتحضرني هذه الآية العظيمة التي تقول:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ). نعم هناك إفطار صائم وصدقة لفقير ومساعدة محتاج, وماذا بعد! لتزكية نفس وتطهيرها. والآيات والأحاديث بهذا الشأن كثيرة حيث إنها ليست بمجالي هنا.

يسرقني الوقت هنا, وأنا أسرح في دنيا الطهر والنقاء بين أدعية وصلاة, ونسيت لم يبقى لنا إلا سويعات قليلة للصوم للابتعاد والامتناع عن الملذات والطعام والشراب, لعلنا نستشف حاجة الفقير وجوعه, ونهمس لأرواحنا المثقلة بمواساة من يحتاجنا من المرضى والمحتاجين, وإلا لماذا سمي إذا بشهر المواساة!! والأعظم من ذلك يسمى حقلا للاستثمار ومحطة للبرمجة الروحية بل شهر التقوى.

وقبل أن انهي مقالتي, لابد عزيزي القارئ أن يكون هناك وقفة نتزود منها بالتوكل على الله سرا وعلانية. فيا أحبتي جاز لي أن أسميه هذا الشهر العظيم قمة القمم وبناء الروح, وحان أن أقول للجميع حي على العبادة فالفرصة متاحة لكم هذا الشهر والسماء تتقبل صيامكم وقيامكم, اعذروني سأتناول قليلا من الطعام الآن وأنوي الصيام داعيا لكم بالقبول.


error: المحتوي محمي