تقييم الذات

ينظر الشخص في كثير من الأحيان إلى سيرة العظماء من قادة وعلماء ومفكرين ثم يعاود النظر لنفسه فيراوده شعور أنه لا يرتقي لمستوى هؤلاء الصفوة ونسي أن إعجابنا بهم لا يمكن أن ينفي أن لكل منا قيمة في هذه الدنيا وأن الله سبحانه وتعالى خلقنا وكرمنا وسخر لنا الدواب والماء والرياح وأقسم بنفوسنا فقال جل وعلا: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} سورة الشمس الآية {٧ – ٨}، وقال تعالى:{۞ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”} سورة الإسراء الآية {٧٠}.

ويقصد بتقييم الذات النظرة الإيجابية من الشخص تجاه سلوكه الذي يقوم به لذاته وإنجازاته ومدى إتقانه من عدمه في تحقيق غاياته التي وضعها لنفسه، بمعنى وصول الفرد إلى مستوى متقدم من احترام النفس والثقة بالمهارات الذاتية والتمكن من إبراز الشخصية من الناحية الاجتماعية والنفسية وفي شتى المجالات.

ومن هذا المنطلق سنغزل كلماتنا القصيرة المتواضعة تجاه كل ما هو قريب ومحيط بنا.

إذا تقدير الذات بمعنى آخر مقدار الصورة التي ينظر فيها الإنسان لشخصه هل هي عالية أم منخفضة؟

واحترام الذات ضروري من حيث أنه المنطلق لجميع أنواع التفوق المنشود، فمهما تعلم الشخص أسرار الإبداع والتطوير فإن كان تقديره لذاته وتقييمه لها ضعيفاً، فلن ينجح في الأخذ بأي من تلك الطرق.

لأنه يرى نفسه غير قادر وغير أهل ولا مستحق لذلك النجاح، وتقدير الذات لا يولد مع الإنسان بل هو مكتسب من تجاربه في الحياة وطريقة ردة فعله تجاه التحديات والمشكلات التي تواجهه في حياته.

ومرحلة الطفولة مهمة جداً لأنها تشكل نظرة الطفل لنفسه، فالتعامل مع الأطفال والمراهقين بالحب والتشجيع وتكليفهم بمهام تناسب أعمارهم يستطيعون إنجازها تكسبهم ثقة وتقديراً لأنفسهم.

وهناك دلائل تلاحظ على الشخص ذي التقدير المنخفض لذاته، منها مثلاً الانطوائية والخوف من الحوار أمام الآخرين وإنهاك الشعور في إرضاء الآخرين لتفادي سماع النقد، بل إن العدوانية وعدم تقبل النقد هي صور من صور ضعف الشخصية لأنها عملية هروب من مواجهة مشكلات النفس.

ويجب عدم الخلط بين تقدير الذات والثقة بالنفس، فالثقة الذاتية هي نتاج احترام الإنسان لنفسه وبالتالي من لا يملك تقديراً لذاته فإنه يفتقد الثقة بنفسه.

وضعف تقدير الذات ينمو بسبب كثرة الهروب من مواجهة مشكلاتنا وجروحنا الداخلية والمواقف السلبية وتغطيتها وعدم الرغبة في إثارة الحديث عنها.

والحل يكمن في مجابهتها ومعالجتها على وجه السرعة، ولكن هذا يتطلب شجاعة في أن يعترف الإنسان بأخطائه وبعيوبه تجاه نفسه لذلك كانت الخطوة الأولى في معالجة نقص تقدير الذات هي رفع مستوى الشجاعة عند الشخص ليواجه عيوبه بشكل واقعي ويعمل على حلها.

إن تسيير حياتك بطريقة تتفق مع أعمق القيم والقناعات لديك هو أمر ملح للغاية لكي تحصل على تقدير عالٍ للذات، فالأشخاص الواضحون فيما هم مقتنعون به والذين يرفضون المساومة على قيمهم ومبادئهم يحبون ويحترمون ذواتهم أكثر من الأفراد غير الواضحين بشأن الأمور المهمة بالنسبة لهم.

وهنا يبرز التساؤل التالي: ما مدى تقديرك لحياتك؟ فالأشخاص الذين يقدرون أنفسهم حقاً هم الأشخاص الذين يقدرون شخوصهم بشكل مرتفع وأيضاً الأشخاص الذين يحترمون أنفسهم حقاً هم الأشخاص الذين يستخدمون وقتهم بشكل متقن للغاية لأنهم يعرفون أن وقتهم هو حياتهم.

ويقول قانون ردة الفعل، إن المشاعر والتصرفات يتفاعل كل منها مع الآخر، فإذا كنت تشعر بشعور معين فسوف تتصرف بطريقة تتفق مع ما تشعر به، والعكس صحيح أيضاً، وإذا كنت تتصرف بطريقة معينة فإن تصرفاتك سوف تخلق لديك المشاعر التي تتفق معها.

وهذا يعني أنك عندما تتصرف كما لو كان وقتك قيما للغاية فإن هذا السلوك سيسبب لك الشعور بأنك شخص أكثر قيمة وأهمية ومن خلال إدارتك لوقتك بشكل جيد فإنك في الواقع تزيد من احترامك لذاتك وبالتالي تصبح أفضل في كل ما تفعله.

إن العمل المتمثل في استمرار حياتك بما يتفق مع قيمك ودينك وأخلاقك وتربيتك واستخدام وقتك بشكل فعال هذا يحسن صورتك الذاتية ويخلق لديك شعوراً إيجابياً ومربحاً.

وبالتالي يزيد من بناء شخصيتك بما يتوافق مع تطلعاتك السامية، والسعي نحو الإتقان الذي يؤثر على نظرتك لشخصك وهو إحساسك بأنك تسيطر على حياتك وعملك وسلوكك الاجتماعي المتوازن، أي شعورك بالرقي والرضا لكل ما يصدر منك، لذلك كل ما تكتسبه عن إدارة الوقت ومن ثم تطبقه في حياتك ينتج عنه شعور بالمزيد من السيطرة على بقية أمورك المتعددة، ونتيجة لذلك تشعر أنك أكثر عطاءً وفعالية وكفاءة كما تشعر أنك أكثر إنتاجاً وقوة.

فكلما ازداد شعورك بالفعالية والإنتاجية كلما شعرت بالارتياح النفسي، وهذا لا شك يؤثر تأثيراً مباشراً على مجريات حياتك ويتضمن أهدافك الحالية والأنشطة المستقبلية التي تقدم عليها، وكلما كانت أهدافك ونشاطاتك متطابقة مع قيمك شعرت بأنك أفضل.

وعندما تعمل في شيء تؤمن به وينسجم مع مواهبك وميولك الطبيعية أحببت نفسك أكثر وأكثر وأديت عملك بشكل أفضل وأنك رجل لك قيمتك وكرامتك وتصبح شخصاً فاعلاً ومؤثراً تتبوأ موقعاً اجتماعياً متقدماً مرموقاً يشار لك بالبنان.


error: المحتوي محمي