لماذا سميت السوق بالمفرش؟

كنظرة عابرة ترى أن بعض الأحياء في القطيف المحروسة يتميزون بامتهان مهنة معينة أو هكذا، فمثلاً حي مياس (سابقاً يطلق على الأحياء مسمى بلدة أو قرية) بوسط القطيف تجد غالبية ساكنيه يغلب عليهم العمل في القصابة “بيع اللحوم الطازجة” أو المشهورون منهم حتى سميت بعض العوائل باسم المهنة نفسها.

كذلك نجد حي الشريعة وهو أيضاً وسط القطيف وشرق حي مياس “سكة القطيف وهي السوق المركزية تقع بين هذين الحيين الهامين”، نجد أهالي الشريعة يغلب عليهم العمل في قيادة مفرش السمك، فعندما نعود للوراء قليلاً نتذكر وجوهاً كانت لها الصيت والجاه والشهرة أمثال: السيد سلمان السيد تاريخ أبو عدنان، وعبد الرسول اسليس، عم المرحوم سعيد اسليس، وعبد الله فريج، ومحمد أكفير، والد حسن أكفير، ومهدي أسليس أبو سعيد اسليس، والحاج علي القصاب، والحاج عبد الله القصاب، يذكر عن هذا الرجل الطيب أنه في آخر أيامه ترك المفرش واشتغل في سوق المفرد وكان يبيع السمك “القصيب الكبير الذي يحتاج إلى تقطيع”، فكان من مهارته في تقطيع السمك يدخل السوق ويخرج ما ترى أثر دم أو خلافه على ملابسه الأنيقة من فنه.

ثم جاء الجيل الثاني من الدلالين أمثال: المرحوم حسن أكفير أبو علي، والمرحوم عباس خزعل أبو خالد، ونوخذاي المرحوم سعيد اسليس أبو عبدالله، والحاج علي البناي أبو عبد العزيز كان دلالاً في مفرش سعيد اسليس، ثم جاء أحمد المعلم أبو حسن وآخر من دخل المفرش من الدلالين قريباً هو الحاج علي خريدة أبو حسين، ومتوقع العدد في ازدياد عند نقل السوق من الحالية المتهالكة إلى السوق الجديدة بجانب مرفأ القطيف، وللعلم فإن مفرش السمك ليس فقط في القطيف، فهناك مفرش سمك في تاروت ومفرش سمك في صفوى ومفرش سمك في سيهات، وفيها تعرض أسماك الصيد المحلي وهو مميز وطازج ومرغوب لأبناء المنطقة، وفيها دلالون معروفون لدى كل مدينة.

أما لماذا أطلق على سوق الجملة مفرش السمك؟ يظهر من خلال السؤال من ذوي الخبرة والممارسة في مهنة السمك، أن بيع سمك الجملة يعرض في ساحة لا تتجاوز 400 ـ 500 م2، وأرضها ترابية لذا يقوم عمال كل دلال بفرش “الغدن”، جمع غدان بكسر الغين وهو من خوص النخل على الأرض حماية للسمك من التراب، ويكلف عادة أحد الوزانة بغسل “الغدن” ونشرها في أشعة الشمس ثم تفرش في العصر استعداداً للعمل، وأتذكر أن العامل ميدو الهندي كان يتولى فرش “الغدن” مقابل مبلغ يستلمه من الوزانة في مفرش اسليس، وهناك كلام آخر وهو أن كلمة مفرش للتفريق بين سوق الجملة وسوق المفرد، والله أعلم.

لكن بعد تأهيل السوق في عام 1410هـ وتبليط الأرضيات بشكل أفضل، توقف فرش “الغدن” لأن عامل النظافة التابع لمقاول البلدية يقوم بعد الحراج بتنظيف السوق وغسلها ورش المعقمات ولوازم النظافة وهي بلا شك أفضل وأسلم من تلك، ومن هنا تغير اسم المفرش إلى المبسط “من البسطة”، لكن لا تزال التسمية عند بعض المتعاملين مع السوق مستمرة بـ”مفرش السمك” للتمييز بينها وبين سوق المفرد، كما أن البلدية ألزمت مؤسسات الدلالة بتعيين لباس موحد بلون معين للأفراد العاملين فيها، فكان اللون الأخضر هو لباس عاملي مؤسسة المرحوم أبو عبد الله اسليس.

ووقت الدلالة يتغير بتغير الأشخاص والظروف، فقد كان العمل يبدأ الساعة الثانية صباحاً حتى الفجر. وحينما كنت أعمل في مفرش المرحوم اسليس كنا نبدأ في العاشرة مساءً إلى ما بعد الفجر، ثم صار مع الوقت يتقدم بحيث يبدأ بعد صلاة العشاء مباشرة ليسهل على أصحاب الشركات والمؤسسات إيصال السمك طازجاً ومبكراً للاماكن البعيدة كالأحساء والرياض وغيرها.

ونشير إلى أن لانشات الإمارات ترد ميناء الخبر، فيتم الاتصال بمكتب الدلال (اسليس أو أكفير فقط)، ولهذا كل مؤسسة مخصصة فيها شخص يتولى مسؤولية تلقي المكالمات من نواخذية الإمارات المرافقين للانشات، وكان الحاج عبد الهادي الميداني أبو حسين هو المسؤول من طرف المرحوم اسليس، وهو الذي ينسق ويحدد عدد السيارات المطلوبة لنقل الأسماك، “كانت السيارات من نوع شفراو جمس مغطية بطربال”، وعادة يحتاج اللانش الواحد إلى عدد 2 أو 3 سيارات، فيصل عدد اللانشات أحياناً إلى 4 أو 5 لانشات وهكذا. وفي الميناء تنقل الأسماك من اللانش وتفرغ في السيارة مباشرة دون استخدام صناديق بلاستيك لكثرتها. وحينما تصل السيارات تصعد إلى سطح المفرش “السوق” وتفتح الأبواب المغلقة بإحكام للسيارات فتهوي كميات السمك الطازج “الحي” من الهامور والكنعد والسمان والشعري وبقية أنواع السمك الممتاز جداً من حيث التثليج والقوة حتى أن بعض الهامور تراه لا يزال حياً.

وطالما مررنا بذكر السيارات التي تنقل أسماك لانشات الإمارات من ميناء الخبر، فمن الذوق والأدب أن نذكر أصحاب تلك السيارات، وأعني من يقومون بأعمال لوجستية للمؤسسة، وهم على سبيل المثال لا الحصر: قائد المجموعة عبد الهادي الميداني، عبد الإله حماده، إبراهيم زمزم، حبيب الغريافي، رضي المخامل، عبد الغني الدار، وعيسى السالم وأخوه.

وبموجبه يحصل السائق على مبلغ 300 ريال للمشوار من الخبر للقطيف. وكل دلال لديه سكن خاص لنواخذيته من “الإماراتيين والعمانيين” بحيث ينام في الليل وفي اليوم التالي بعد صلاة الفجر يذهب مع بقية النواخذية لتناول الفطور “العدل” في مطعم إدريس الشعبي، ثم يذهبون لشراء مستلزمات اللانش من الخضراوات والفواكه واللحوم ثم يحضرون لاستلام “الماية” حساب فاتورته، وقد تصل أحياناً قيمة الفاتورة إلى خمسين ألف ريال، حتى أن بعضهم لا يعرف أن يحسب لكثرتها وتنوع فئاتها، فيقوم بتوزيع المبلغ على كراسي المكتب حتى لا يخطئ، لهذا يستلزم من الدلال أن يوفر السيولة الكافية لمثل هذه الحالات، وكانت الأموال النقدية تحفظ في منزل النوخذة اسليس، فيذهب المرحوم عبدالواحد اسليس إلى منزل النوخذة ويستلم المبالغ النقدية المطلوبة من أختنا الحاجة المؤمنة الصبورة أم عبد الله اسليس شريكتنا في حفظ وتطوير المؤسسة، نسأل الله لها الصحة والعافية وطول العمر.

وعادة يكون قائد المجموعة أبو حسين الميداني مرافقاً للنواخذية في شراء المواد الغذائية، وعند استلام فاتورة البيع يعود بهم إلى ميناء الخبر مع بزوغ الشمس صباحاً ويحصل الميداني مقابل هذا المشوار على 100 ريال، وفي الغالب يحتاجون إلى سيارة أو سيارتين إذا كانت لديهم مشتريات كثيرة.

• لا يزال للكلام بقية عن مبسط السمك فتابعونا.



error: المحتوي محمي