عيب العرب الأكبر

لا أتفق مع علي الوردي حين قال في كتابه «خوارق اللاشعور» ص 30 «عيب العرب الأكبر أنهم مولعون بالحذلقات اللغوية والشعرية، في زمن نحن أحوج الناس فيه إلى ما ينير لنا سبيل الحياة ويشجع النبوغ والإبداع في الأفراد»

همّ أحدنا أن يكتب بحثا عن أحد الشعراء البائدين، أو يؤلف كتابا عن رفع الفاعل ونصب المفعول، أو يلقي خطابا رنانا عن مجد الأجداد، ثم يهتف منشدا «حسبنا أننا عرب» عيب العرب الأكبر هو كما أراه ليس في هذا الأمر، بل هو في عدم القدرة على إدراك أنَّ البناء يبدأ أول ما يبدأ ببناء القانون، وبناء طرق الرقابة عليه، كما وبناء المؤسسات المختلفة بناء على المعايير العلمية الصحيحة التي تبدأ بالقائد الجيد، الموارد البشرية، الموارد المالية ومعايير الجودة، ومن غير ذلك لا يمكن بناء المجتمع المتقدم.

ثمة إشكالية أجدها متكررة في أذهان عدد كبير من الناس ملخصها عدم التفريق بين المقدمة والنتيجة، النتيجة الإيجابية، هي في حقيقتها ثمرة لمقدمات، الإنسان المبدع هو نتيجة، التعليم الجيد هو نتيجة، الصناعة والتجارة والبلدية والصحة، وغير ذلك، إذا كانت على مستوى عالٍ من التقدم، فهي نتيجة، ماذا إذن يقف خلف كل هذه النتائج؟ إنه باختصار القانون وطرق الرقابة عليه، إنهُ المعايير الصحيحة من قائد وموارد بشرية ومالية ومقاييس جودة، وحالما نظن أنَّ الفساد هو عبارة عن شخص يمارس ما يشبه السرقة في الخفاء فإننا وبنسبة كبيرة نخطئ في ذلك، فالفساد كنسبة هو مساوٍ تماما لنسبة الثغرات في القانون وعدم الرقابة عليه، بمعنى أنَّ طريقا حينما يكفي لإتلاف سيارات المارة عليه، يكشف كيف أنَّ عقد المقاول لم يتضمن العقوبات التي تجعله يحسن العمل كما يجب، أو لم يتضمن الرقابة على تنفيذ العقوبات والجزاءات الموجودة في العقد، وهكذا دواليك في كل شيء.

إن الأمم المتقدمة لم تصل إلى ما هي عليه إلا حينما بنت منظومة مؤسساتها المختلفة، وفق المعايير الصحيحة والقوانين الحازمة، هكذا لم يستطع علي الوردي وكثير من المفكرين العرب إدراك هذه الحقيقة كما يجب، وحالما لا يدرك كثيرون أنَّ من يرمي النفايات في الحدائق هو نتيجة لعدم وجود عقوبات رادعة له، وأن الجامعة التي لا تنتج بحوثا علمية كافية هي نتيجة لعدم وجود ما يلزمها بذلك، فإننا سنتحدث عن تخلف العرب، وكأنما هو أمرٌ أصيلٌ فيهم، وسنتحدث عن الكثير من النتائج المبهرة على شكل حلول لمشاكلنا، فيما كل تلك النتائج تعود إلى جذر واحد فقط وهو: القانون والرقابة عليه من جانب، وبناء المؤسسات المختلفة وفق المعايير السليمة من جانب آخر، وحالما يتحقق ذلك، فلن يكون هناك فرق بين العرب وغيرهم من الأمم المتقدمة.


المصدر: آراء سعودية.



error: المحتوي محمي