مارس هواياته بشغف طفلٍ صغير، ورغم صغر سنه إلا أنه كان يطمح لأن يصنع شيئًا مميزًا يفتخر به بين الأولاد، طالما أخذه الطموح لأن يبتكر ألعابًا حماسية ممتعة جعلته صانعًا لـ”القواري” التي كانت في الماضي وسيلة مساعدة في حمل الأشياء الثقيلة وغيرها.
البداية
بدأت حكاية الحاج علي حسن المخرق بعمل القواري للحمالة؛ حيث كان يصنعها ويبيعها لحاجة الناس إليها فهي وسيلتهم في حمل الأشياء، من تلك “القواري” بدأت علاقته بالأخشاب، إلا أنه اختار مسارًا آخر في الأعمال الخشبية، حيث بدأ بترميم أول صندوق تراثي وذلك قبل 26 عامًا، ذلك الصندوق كان الخطوة الأولى في مشواره وتحول هوايته إلى مهنة وعمل يومي في إصلاح الصناديق.
قطيفيو الأصل
يقول الحاج علي أنه ينتمي لعائلة المخرق وهي قطيفية الأصل ومعروفة، مضيفًا أنَّ القطيف والبحرين كانتا منطقة واحدة اسمها (أوال)، إلا أنهم قطيفيو الأصل ولا ينتمون لمملكة البحرين بالأصل مستدلًا بوجود بيوتهم في حي الدَّبابية التي يملكونها باسم عائلة المخرق (بيت العود) وهي مشتركة بينهم وبين أهلهم في البحرين، كما كانت توجد بعض العقارات والبيوت التي وصل إليها (القص) وذهبت آثارها مع التغيير والتطور، مبيّنًا أن أصل عائلة المخرق طواشون ونواخذة وتجار لؤلؤ، ولذلك كانوا كثيري السفر إلى مملكة البحرين وتربطهم علاقة قوية بالتجارة هناك وهذا ما جعل بعضهم يعيشون فيها منذ سنة (البطاقة)، وقال: “إن هذه قصة يعرفها الكثير لأنها عمّت دول الخليج وأحداثها مشهورة منذ أجيال مضت”.
ونوه بأن أجداده عندما ذهبوا إلى البحرين مارسوا تجارتهم وكوّنوا لهم فريقًا كبيرًا معروفاً بـ(بفريق المخارقة) وهو معروف إلى الآن في البحرين، مشيرًا إلى أنهم عاشوا وترعرعوا في القطيف وتحديدًا في (الدَّبابية).
أفكار إبداعية
وكما أن دمج التفاصيل على الصناديق الخشبية يأتي كالإلهام للرسام عندما يرسم لوحته الفنية بإبداع ليبرزها للناس بأجمل صورة، وكما يحتاج الفنان للألوان المختلفة فكذلك مصمم الصناديق أيضًا يحتاج للأدوات التي يستخدمها في صناعة الصناديق وإبرازها بالشكل الجميل، وليس هناك ما هو مكلف في هذا العمل -حسب وصف المخرق-؛ فالأدوات التي استخدمها لا تزيد على دبابيس، وصفائح نحاسية، ومسامير صغيرة جدًا.
أنواع من الخشب
ويستخدم المخرق أنواعًا كثيرة من الخشب تُستخدم لصناعة الصناديق أو الأثاث الشعبي ومنها: (الخشب السيسم والساج، وخشب الورد).
ويذكر أن صناعة الصناديق والمشغولات الخشبية تعود إلى تراث دول منطقة الخليج العربي، وهي لها استخدامات متعددة؛ كخزانة للأشياء الثمينة، ودواليب للملابس، وصندوق للعروس تضع فيه إكسسواراتها وعطورها وباقي مستلزماتها.
الصناديق المبيّتة
ونوه بأن أبرز تلك الصناديق هي التي يطلق عليها (الصناديق المبيّتة) وهي لا تحتاج للحفر فيها لأنه يصعب شرخ الألواح لقوتها وهذا يرجع لعدم وجود منجرة تتقبلها، وهي صناديق متفاوتة الأحجام منها الكبير والمتوسط والصغير، وتدخل فيها النقوش الخليجية المتعارف عليها كالنخلة، والدلة، والنجمة، والسيف.
اقتناء التراث
ومن عشقه للتراث اقتنى أنواعًا تراثية قديمة واحتفظ بها ولم يرد التخلي عنها أو بيعها لأنها من التراثيات القديمة جدًا، ولا سيما أنها كانت ممتلكات لشخصيات معروفة وتخص منطقة القطيف صناعةً أو استخدامًا بينها زجاجيات وخزفيات وطينيات وجحال وحِب الماي وخوصيات ونحاسيات، وشبابيك وغيرها الكثير من التراث الشعبي.
ويعود اقتناؤه لهذا التراث الشعبي لحبه له ولجماله، ولرغبته في المحافظة عليه من الاندثار فهو يرى أن هذا التراث الحضاري قيّمًا جدًا ومن خلاله تبقى الذكريات الجميلة للسنوات الماضية وأهلها الطيبين.
أثر خاص
وعبر عن تأثره بالماضي بأن للماضي أثرًا خاصًا في النفس والمشاعر وأن تجسيده يكون في هذا العمل الذي امتهنه منذ صغره، قائلًا: “هذا الارتباط الجميل القريب إلى القلب إنما هو نبض يتعلق بماضي القطيف”.
وأكد أن هناك من يعشق هذا الموروث الأصيل معه ويُشاركه فيه حيث إنه يعتبر إرثًا للأبناء والأصدقاء والأجيال القادمة.
مشاركات محلية
ودفعه شغفه الكبير للمشاركة في الكثير من المهرجانات الشعبية مع جمعية القطيف، وفي مهرجان القطيف فرحانة، ومهرجان الدوخلة، وفي ليالي الناصفة، مما جعله يسافر لكثير من الدول بحثًا عن المقتنيات الأصيلة.
فن وحضارة
وطغى عشقه على مفردات كلامه حينما وصف التراث الشعبي بأنه جمال وفن وحضارة مبينًا أن هناك من ينجذب إليه وخصوصًا في المناسبات الشعبية مفسرًا بذلك اهتمام السياح الأجانب بهذه الأمور، مؤكدًا أن اهتمامهم ليس أكثر من اهتمام أبناء الوطن بالتراث.
تجدد فني
وطال التجديد مهنة الحاج علي كما طال أغلب الفنون، يقول: التجدد الفني نال من هذه الحرفة القديمة، لكنه للأسف ليس في صالحها لأنه يفقدها تراثيتها وأصالتها، فالتراث الشعبي كما لابد أن يبقى متأصلًا في شكله وفنه الممزوج بالحضارة الخليجية.
خطة مستقبلية
كشف الحاج علي عن أنّه سيكون هناك خطة مستقبلية تخدم التراث الشعبي لتعطيه مكانته وقوته ليبقى صامدًا وخالدًا للأجيال القادمة وذلك بأن يبنوا صرحًا من صروح المتاحف الشخصية في القطيف.
رسالة وشكر
وفي ختام حديثه وجه رسالة حث فيها الشباب على أن يهتموا بماضي أجدادهم من أجل الحفاظ على هذا التراث الجميل حتى لا يندثر مع مرور الزمان، وقال: “ومن الماضي تتعلم الشعوب، وكما يقول المثل؛ اللي ما له أول ما له تالٍ، ومن هنا أوجَّه شكري إلى زوجتي وأولادي لأنهم يتحملون معي صعوبات هذا المجال ومن ثم أوجِّه شكري وتقديري إلى المهتمين بالتراث وبالأخص التراث الخاص بالقطيف.
وخص صحيفة «القطيف اليوم» بجزيل الشكر على الاهتمام بهذا التراث وإعلام الناس عنه.