كيف أغادر؟

من أبدع صور النهايات هو ما صوره السيد الشريف الرضي رحمه الله في قوله:
راحِلٌ أَنتَ وَاللَيالي نُزولُ
وَمُضِرٌّ بِكَ البَقاءُ الطَويلُ
لا شُجاعٌ يَبقى فَيَعتَنِقَ البيضَ
وَلا آمِلٌ وَلا مَأمولُ

السؤال بكيف كلنا نسأله أنفسنا في لحظةٍ ما، لكن في الواقع يجب أن نسألَ أنفسنا هذا السؤال ونعد الخطة للحظة المغادرة عند أول خطوة نخطوها في السير بين منازلِ الحياة. ليس بمعنى الهرب من المسؤولية بل لرسم خطة تكون من خلالها ذكرى النهاية أحلى وأجمل جرعة، فلا يجوز أن تكون تلك اللحظة مرَّة بأي حالٍ من الأحوال.

نقضي عشرات السنين في الوظيفة ولا يخطر في بالنا أنها تنتهي وتبقى الذكريات. في الدراسة نقضي أجمل السنوات ولا يجول في خاطرنا كيف نغادر. يعجبنا المنصب واللقبُ والفخامة في كلِّ شيء حتى يكون جزءًا من ذاتنا لا ينسلخ منا. وعندما تأتي اللحظة الأخيرة لا نستطيع أن نتخيل أنفسنا دونَ تلك المكاسب.

في الواقع أصعب افتراق عن مكاسب فترة ما يكون في اللحظةِ التي نُغادر فيها، مآثرنا قد تُثبتها وتُرسخها لحظةُ خروجنا ومُغادرتنا أو تنقضها. لذا لن نستطيع أن نكتب كلمات لحظة المغادرة في ليلةٍ واحدة بل هي تكتب نفسها حرفاً بعد حرف، يوماً بعد يوم وسنةً بعد سنة.

في كلِّ محطة من قطار الحياة لابد أن نلملمَ حاجاتنا ومن الأفضل أن نفكر في اللحظةِ التي نرتقي فيها درجات القطار في كيف ومتى ننزل منه. فأجمل الناس من يترك أثراً طيباً وذكرى حسنة في كلِّ محطة يصعد منها أو ينزل فيها، وأتعسهم من يكون نصيب الناس منه الإزعاج والمزاحمة والذكرى السيئة.

وإنما المرء حديثٌ بعده
فكن حديثاً حسناً لمن وعى
هي اللحظة التي إما يقول فيها الناس: لعنَ الله فلاناً، كان أمرّ من طعمِ العلقم، أو رحمَ اللهُ فلاناً، كان أحلى من الشهد؛ وهي بكل أسى آخر سطرٍ يُغشينا نعاسُ الحياةِ ويكسلنا عن كتابته.



error: المحتوي محمي