أي الأجبان أكثر صحة؟

الأجبان رغم اختلاف أنواعها وأسمائها وألوانها، إلا أنها مشهية وغالبية الناس في دول العالم لا تستغني عن تناولها، ولها أسواق رائجة، وتستهلك بشكل يومي في المعجنات والفطائر والمخبوزات والحلويات، ومع السندوتشات والهمبرجر إلى جانب أطباق العالم الأخرى، يضاف إلى ذلك قيمتها الغذائية، هذا هو سر تميزها وسبب إقبال الناس عليها دون غيرها.

تزخر أسواقنا المحلية بعدد كبير من أصناف الجبنة، منها الجبنة الطرية المصنوعة من الحليب والقشدة أو من الحليب الخالص، والجبنة الصلبة من الحليب الخالص أو المقشود جزئياً، والجبنة المعالجة صناعياً، وهناك أجبان معبأة بتقنية التعبئة والتغليف، وغير معبأة والتي تعرض داخل بترينات زجاجية مخصصة في ركن مميز وظاهر في مراكز التسوق، وهي من أكثر أركان السوق حيوية وأكثرها جذباً للزبائن.

الجبن المصنوع من الحليب الطازج المأخوذ من الأبقار أو الأغنام أو الإبل هو الأفضل، وتكمن أهميته الغذائية بوجود الكالسيوم المصدر الأساسي لبناء وصيانة كتلة العظام، وأيضاً غني بالبروتينات والدهون والفيتامينات والمعادن الضرورية.

الجبن بجميع أنواعه يتحصل عليه من خلال عملية تخثر الحليب بواسطة المنفحة أو أي عوامل تخثر أخرى مناسبة، يتبعها تصفية جزئية للمصل، مما ينتج عنه تجمع الخثرة على هيئة حبيبات صغيرة هي عبارة عن بروتين الحليب الأساسي والمسمى الكازين وبداخلها شيء من الماء وقليل من سكر الحليب، وبعض المعادن، هذا هو الجبن.

وبادئ دي بدء، يهمنا أن نتعرف على المنتجات التي تباع باسم الأجبان، فالكثير من الناس ليست لديهم الصورة الواضحة حول طبيعة وكيفية تصنيع بعضها، من هذا المنطلق نتطرق لهذا الجانب ونتعرف على عدد من المفاهيم الرئيسة، ونترك للمتأمل الصورة الحقيقية:

أولاً – أجبان طبيعية: تصنع من حليب طازج مبستر، مصدره “الأبقار، والأغنام، والماعز، والجاموس، والإبل”، ويضاف الإنزيم أو الأنفحة لعملية التجبن، ومزارع من بكتيريا حمض اللاكتيك “البادئ”، وملح الطعام، ومياه صالحة للشرب، وتصنف الأجبان استناداً لمحتوى الرطوبة إلى: أجبان طرية مصنوعة من الحليب والقشدة أو من الحليب الخالص مثل جبن دمياطي، وجبن الفيتا، والأجبان نصف الجافة مثل جبن الجودا، وجبن حلوم ذو قوام مطاطي، وجبن الإدام، والأجبان الجافة من الحليب الخالص أو المقشود جزئياً مثل الجبن الرومي المصري، وجبن جرويير ذو ثقوب غازية صغيرة.

إن أهم ما يميز هذه الأجبان قيمتها الغذائية فهي تتكون من مواد بروتينية ومواد دهنية وأملاح الكالسيوم والفوسفور والفيتامينات.

ثانياً – أجبان معالجة: جزء من مكوناتها مصدرها من الحليب ومشتقاته، وبقية المكونات عبارة عن إضافات ومواد حافظة مسموحة حسب هيئة الدستور الغذائي ” INS” وهذا ما أعطى هذه النوعية من الأجبان خصائص مرغوبة لدى المستهلك – فترة حفظ طويلة، حماية من الفساد، وتحسين المذاق، وتوجد بأصناف متعددة منها:

• الجبن المعامل والجبن المعامل القابل للدهن: منتج متحصل عليه من فرم وخلط وإذابة واستحلاب نوع واحد أو أكثر من أنواع الجبن، وذلك بمساعدة أملاح الاستحلاب والحرارة مع أو بدون منتجات ومكونات الحليب الأخرى، ويمكن أن يكون قابل للدهن أو على شكل شرائح أو غير ذلك من الصور، مثل جبن شيدر مطبوخ، وجبن شيدر قابل للدهن، جبن الموتزاريلا، جبن القشدة.

• شبيه الجبن وشبيه الجبن القابل للدهن: منتج متحصل عليه من فرم وخلط وإذابة واستحلاب نوع واحد أو أكثر من أنواع الجبن والزيت النباتي، وذلك بمساعدة أملاح الاستحلاب والحرارة مع أو بدون منتجات ومكونات الحليب الأخرى، ويمكن أن يكون قابلاً للدهن أو على شكل شرائح أو غير ذلك من الصور، مثل الجبن الأبيض المعدل بالزيوت النباتية.

ثالثاً – بدائل الجبن: سعت الصناعات الغذائية إلى إنتاج ما يطلق عليه بدائل الأجبان وهي مركبات اصطناعية على هيئة مساحيق من غير أي مكون طبيعي، وتحقق الدور الوظيفي في التركيبة الغذائية، ويستعمل مسحوق الجبنة الاصطناعي المطابق للطبيعية على نطاق واسع في الصناعات الغذائية، وشركات الوجبات السريعة والمطاعم، لإكساب المأكولات الطعم المقبول والمميز.

ونحن بصدد الحديث عن الصنف الثاني “الأجبان المعالجة” التي تحتوي على إضافات غذائية مسموحة، ومصدرها اصطناعي.

استخدام المضافات والمواد الحافظة في الأجبان والمبالغة فيها مضر بالصحة بصورة قطعية، ونحن بهذا لا نحبذ إثارة مثل هذه الزوابع على قنوات التواصل، إنما لا ينفي ضررها، فطريقة تحضير وإعداد هذه الأجبان ومعالجتها صناعياً؛ أفقدتها القيمة الغذائية وسلامتها الصحية.

من أجل ذلك يلزم على المستهلك قراءة البطاقة التعريفية للجبنة قبل شرائها، للتعرف على مكوناتها، بعض الشركات تتقيد بكتابة كلمة معالج بجانب الاسم على البطاقة مباشرة، وهي مطلوبة ضمن البيانات الملزمة.

الأجبان المصنعة محلياً والتي تندرج ضمن الأجبان المعالجة لا نرى كلمة معالج بجانب مسمى جبنة، وأيضاً يكتب ضمن المكونات محضر من حليب طازج مصدره الأبقار، ماذا يعني الصحية

عدم تقيد الشركات المحلية بمتطلبات البيانات التعريفية للمنتج بذكر الاسم الصحيح “جبنة معالجة” أو “شرائح جبنة مطبوخة معالجة” هو مخالف للمواصفة، اعتقاداً منهم بأن إلحاق كلمة “معالج” أو “معامل” بالاسم قد يقلل من جودته وبالتالي تسويقه، وهذا يندرج تحت عنوان التضليل والخداع.

صناعة الترويج بكل ما فيها من منافسة، بدءاً من صورة هوية الشركة المنتجة مروراً بالتصاميم الشكلية، وصولاً إلى فن التغليف، وينتهي فيها خداع المستهلك من خلال ادعاء كاذب، هذه الصورة تُظهر حسنات المنتج وليست طبيعته.

فمن ضحايا صناعة الترويج في إطار المنافسة، التفنن في إظهار الجبن المعالج أو شبيه الجبن بخلاف طبيعته، نرى على غلافه إشارة كبيرة لمسمى المنتج “جبنة” وقد تأتي كلمة معالجة بخط صغير جداً، مع أن محتوياتها مصنعة من حليب مجفف، وإضافات معظمها اصطناعي، ويراد من ذلك الإيحاء للمستهلك بمزاعم غذائية تتعلق بطبيعة المنتج، فما الذي يمكننا أن نستنتجه من ذلك؟

هو خلاف ما نصت عليه اللائحة الفنية الخليجية رقم GSO 9/2013 بند:
2.4 – ألا توصف المادة الغذائية المعبأة أو تعرض ببطاقة أو بيانات ايضاحية بشكل ينطوي على الزيف أو التضليل أو الخداع أو بأي شكل قد يؤدي إلى انطباع خاطئ بشأن صفاتها بأي حال من الأحوال.

1.7 – يجب أن يكون اســم المنتج جبن معامل أو جبن معامل قابل للدهن أو شــبيه الجبن أو شـبيه الجبن القابل للدهن.

2.7 – يجب أن يتبع اسم المنتج “شبيه الجبن” عبارة “استبدل دهن الحليب بزيوت نباتية”.

(SFDA.FD 58:2019) اللائحة الفنية
• ألزمت الهيئة العامة للغذاء والدواء مصنعي ومستوردي المنتجات الغذائية بإضافة كلمة “شبيه” على منتجات الحليب والألبان المعدلة بالزيوت النباتية، لتوضيح جميع المكونات التي تتضمنها المنتجات للمستهلك، ومعرفة المنتجات التي تحتوي على الدهون الطبيعية، وتلك التي تستبدل بالزيوت النباتية.

وأوضحت الهيئة أن المنتجات المعنية هي التي يكون فيها الاستبدال كلياً أو جزئياً لدهن الحليب بالزيوت النباتية، وتسمى “شبيه القشطة، شبيه الجبنة، شبيه الحليب المبخر، وغيرها”.

الجبن المطبوخ المضاف إليه زيوت نباتية، يجوز إضافة مواد مثبتة والحافظة ومانعات الأكسدة وإضافات أخرى.

وكما ذكرنا في البداية لأصناف الجبنة غير المعبأة والتي تباع بالوزن، هي أكثر عرضة للتلوث بالبكتيريا، وأكثرها خطراً بكتيريا “الليستريا” التي تسبب الكثير من الأمراض والوفيات، خصوصاً فئة كبار السن، والحوامل، والذين يعانون من ضعف المناعة، ويزداد الخطر عندما يكون الجبن مصنعاً من حليب نيئ أو خام غير مبستر، وقد حددت بعض أنواع الجبن الطرية مثل جبنة فيتا، بري، الكممبير، الجبن الأزرق المعرق “بلانكو كازو”، “كازو فريسكو” و”بانيلا”.

في الختام، إذا كان لي من تعليق هو تساءل بعض الإخوة عن حقيقة ما يشاع حول طبيعة شريحة الجبنة المطبوخة والتي تعرف محلياً بـ “سليس”، المتداولة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وعلى إحدى وسائل الإعلام الخليجية، يؤكد أو يكاد يجزم المتحدث في المقطع المتداول معرفته بطبيعة تلك الشرائح وأن أصل مكوناتها مواد بلاستيكية.

أودُ توضيح هذا الأمر علمياً بحكم الاختصاص ونقول: لم يثبت ذلك بالفحص المخبري ولا من مصادر علمية متخصصة من هنا وهناك، وإنما من أشخاص ليسوا من المتخصصين في هذا المضمار، وهذا ما يثير إشفاقي على هؤلاء بإقحام أنفسهم في مجالات لا تخصهم، وهل حرق شريحة جبنة دليل كافٍ لإثبات طبيعتها!!

هذا ما شغل وأخاف الكثير من الناس حول ما يأكلون وما يشربون.

بعض الإضافات الغذائية كالمثبتات والمستحلبات E452 – E450 والتي تضاف للجبنة هي مركبات كيميائية من أصل أحماض كربونية وفوسفورية، وإضافات اصطناعية أخرى، وهذا ما جعل شريحة الجبنة المعالجة تتفحم بدلاً من تحولها إلى حالة سائلة عندما تعرضت للهب المباشر.

بعد اتضاح الصورة حول طبيعة الأجبان المعالجة، فكروا قليلاً، واحرصوا عند شرائكم لها على قراءة البيانات المرفقة معها، لتعرفوا محتواها، وعليكم أن تختاروا أفضلها، واستحضروا في ذاكرتكم دوماً صحتكم، حقاً لقد استبدلتم الأطعمة الحية بالأطعمة الميتة!!

منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.


error: المحتوي محمي