إنها الخامسة صباحاً ساعة السكون والهدوء، بعد ارتفاع صوت الحق والقيام بصلاة الفجر، قررت أن أكتب رغم أني منذ فترة لا أرى شيئاً أكتب عنه أو ربما هي رغبة استحضار فكرة ما، ولكني عادة أكتب كي أعيد قراءة نفسي كلما أردت، أحاول أن أسد الفجوة التي يصنعها الفراغ المستدير حولي والضجر الذي ينتابني مع أزمة الجائحة التي طالت مدته فالكتابة عادة رتيبة أرتادها عندما أمارس الفوضى الفكرية، ودائماً أقول لنفسي: “إن الكتابة تستجلب الراحة والطمأنينة وكأنني من خلالها أوخز روحي بإبر الوجع، لأهرب من الواقع الذي يكاد أن يستنزف طاقتي!
منذ شهور عديدة وضعت عباءتي في الخزانة بانتظار الفرج لأرتديها من جديد، لقد كان الصيف طويلاً كعادته بشمسه وحرارته وأوشك أن ينتهي ولم يتغير المكان والزمان، وكل شيء لم يعد كما كان! وما زلت في منتصف الحلم والأمل والتفاؤل بخيالي وذاكرتي وبهواجس لم أدرك سرها! والأصعب أنني أخشى أن يتهمني القارئ بأنني مصابة بفقدان الذاكرة وبالخيال المفرط! كل ما أحتاجه الآن هنا فقط قلم وورقة لأحاول أن أستجمع في مخيلتي وذاكرتي ملامح وتفاصيل وجه عام 2020!
كل الذي أتذكره أن كل المساءات كانت طويلة ومتشابهة رغم الهدوء وبقايا الورد وكثير من أكواب القهوة!
لا يزال عام 2020 موجعاً حد البكاء دون كل الأعوام! يحمل إلينا كل ما لا يخطر على بال أحد ويرفض الانتهاء بسلام. ولهذا مزاجي الروحي لا يسمح لي ببعض الأمور، فأضطرَ أن أتسلل بِمفردي وأقول هامسة كأني أحدث نفسي: أليست هذه بعض ملامح 2020؟! وكأنني خارج الحلم وما كنت أعرف مسبقاً ما سيجري! أهذا هو ما كنت أتحدث عنه في مقالي الذي كتبته في مطلع هذا العام بعنوان “2020 أهلاً وسهلاً ولكن”!
نعم تتباعد المسافات ويكون لقاء الأهل والأحباء ضرباً من الخيال! وتقديم التعازي للفاقدين مشوباً بالخوف والحذر والتردد! وزيارة المرضى مشددة وممنوعة! وماذا بعد؟! أهذا كل ما في عام 2020؟! لقد فهمتَ المعنى للتو مغزى عنوان ذاك المقال، فبعضُ معاني الأمور لا تُعرف إلا بتجربتها والتعايش معها.
عندما أتلمس تفاصيل عام 2020 ورتابة الحزن والمرض والقلق فينا جميعاً أنتم وأنا! ما الذي كان سيحدث أكثر؟ وأي معنى لحياتنا دون أحبائنا؟ والعمر بخيبات الفقد والقلب مثقل ببعض الأوجاع المعتقة وعزائي أن قهوتي مجهدة المذاق مثلي، ولا شيء في غرابة الحنين يرتب مسافات البعد بيننا أنتم وأنا، إلا بعض من جنون الترقب والانتظار فينا شيء، كما يأتي الفرح بطيئاً والقلق بطيئاً والحزن دفعة واحدة كما بين اللحظة واللحظة! كم مرة توجعني فكرة رحيل الأحباء إلى بارئها! حيث قبل أيام تذكرت الراحلات العزيزات صباح، هدى، سعاد وكأنهن معي! هل هذا توارد حضور أم غياب توارد يأتي في الذهن أولاً ثم في الحقيقة (في الحقيقة الثلاث العزيزات قد رحلن عنا منذ فترة قصيرة متقاربة جداً) هل الحلم هو الحقيقة؟ وكأن الحقيقة تقول إنهن يلوحن لي من هناك حيث يرقدن بسلام! وبقية التفسير عليك أيها القارئ! أما أنا فسأغمض عيناي استعداداً للرحلة الأخيرة حيث ليس للعمر بقية، فلست متمسكة بالحياة على نحو شديد، حينها سيصيبني السكون عما سأكونه أنا هناك!
وعندما أكملت قراءة ما كتبته هنا أوشكت أن ألقي به إلى سلة المهملات ولكن! قررت أن أبثه فهو اعتراف لي قد يتحقق غداً أو بعد غد.