عن العلامة الخطي.. الشيخ زكي الخنيزي: موت والده حرمه «الاجتهاد».. وتولى القضاء في عهد الملك خالد

أعاد سماحة الشيخ زكي بن الشيخ عبدالكريم الخنيزي السيرة المعطرة لشخصية مرموقة احتلت منزلة الصدارة في زعامة القطيف وذاع صيتها في إنعاش الحركة الأدبية وفي القضاء والتي جسدها سماحة العلامة الشيخ عبدالحميد الخنيزي الخطي (قدس سره) للحديث عنه من خلال لقاء نظمه المدرب محمد الخنيزي ضمن سلسلة حلقات “قل كيف عاش”، عبر منصة الإنستجرام، في يوم الثلاثاء ٣ نوفمبر ٢٠٢٠.

ولادته ودراسته
ولد العلامة الخطي (قدس سره) في اليوم السابع عشر من شهر رمضان المبارك عام ١٣٣١هـ، في حي زريب أحد أحياء قلعة القطيف، وفتح عينيه ببيت علم وفي أحضان والده الشيخ علي أبو الحسن الخنيزي (قدس سره) الذي يرعى الحركة الدينية، ودفعه إلى الكُتاب وأتقن القراءة والكتابة عند الجليل أبو العالم الرمضان وأجاد جميع الخطوط بأنواعها منذ نعومة أظفاره، وتفوّق على أستاذه.

وبدأ دراسته في القطيف على يد علماء القطيف ودرس المقدمات من نحو وصرف وبلاغة ومنطق وقسماً من السطوح، وأخذ الآجرومية وقليلاً من القطر على يد الشيخ أحمد السنان، وأكمل القطر شيئاً من الألفية على يد الشيخ طاهر البدر، ثم أنهى الألفية على يد الشيخ فرج العمران، إضافةً لدراسته المغني في النحو على يد أساتذته الشيخ محمد علي الجشي والشيخ عبدالكريم الفرج.

وذكر الشيخ الخنيزي أنه في عام ١٣٥٦ هاجر العلامة الخطي إلى النجف الأشرف وكان عمره آنذاك خمسة وعشرين عاماً، ليتم تحصيله العلمي، وتتلمذ في علومه الدينية تحت أستاذية الشيخ فرج العمران والشيخ كاظم الهجري في المنطق من الحاشية الشمسية، وقرأ علم الفقه على يد الشيخ علي الجشي والسيد باقر الشخص والشيخ محمد طاهر الخاقاني، وفي الرسائل على يد السيد نصر الله المستنبط، وعبدالكريم الجزائري ومحسن الحكيم وقاسم الخوئي وحسين الحمامي، ثم فوجئ بفقد والده، وبهذا فقد الأب الحنون وانقطعت المعونة ورجع للقطيف في ذي القعدة ١٣٦٣هـ، على أمل العودة للنجف بعد إصلاح الأمور.

وواصل قائلاً: “آية الله الشيخ محمد تقي الجواهري ومحمد جمال الهاشمي أسفوا كثيراً لعدم عودته لأنهم أملوا أنه لو بقي لنال الاجتهاد فقد كان دؤوبًا على الدروس، وفي القطيف لم يخلد للراحة فقد مارس التدريس ومتابعة الشعراء والأدباء ورعايتهم، كما كان يهتم بتدريس طلبة العلوم الدينية ويذهب للقرى في محافظة القطيف ويُلقي المسائل الدينية لتوضيح الحلال والحرام ويجلس معهم ما يقارب عشرة أيام”.

إرشاده في الحج
وقال: “لقد كان الخطي (قدس سره) كثير الذهاب إلى الحج للإرشاد الديني برفقة الحملات التي تضم ما يقارب ٣٠٠ حاج ومع كل دفعة يقوم بتطويفهم حول الكعبة المشرفة، ليصل عدد مرات طوافه ١٤ مرة، والسعي بين الصفا والمروة مرتين أو ثلاث مرات، ويبذل جهودًا كبيرة معهم لحرصه الدائم على ألا تكون الحجة فيها خلل”.

وأشار إلى أنه كان في المدينة المنورة يبذل جهوده في تعليم الحجاج الصلاة وتثقيفهم، واستمر على ذهابه للحج إلى أن تولى القضاء عام ١٣٩٠هـ.

القلم الأدبي
وأكد الشيخ زكي الخنيزي أن العلامة الشيخ الخطي (قدس سره) يمتلك قلمًا مختلفًا ونهجًا ومدرسة وإذا صاغ خطابًا لرفع مظلمة للمسؤولين يهتم بصياغته بشكل أدبي ليظهره بصورة فنية فكان دائم الحرص على استخدام الأسلوب العالي، إضافةً إلى أنه نسخ دواوينه بقلمه رغم شيخوخته وحذف ما لا يُعجبه من كلمات لا وزن لها.

واستطرد قائلًا: “كان العلامة الخطي (قدس سره) متأثراً بمدرسة الجواهري ومعروف الرصاصي ومن وسط هذين الشاعرين انتهج له أسلوبًا خاصًا”.

القضاء
أوضح الشيخ “الخنيزي” أن العلامة الخطي (قدس سره) تولى القضاء في فترة شهد فيها القضاء الجعفري اختلافًا كبيرًا وكان يمارس ذلك في حسينية زريب، إلى أن صدر مرسوم ملكي لتثبيت القضاء الجعفري في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله- بعد محاولات من سماحة الشيخ الخطي ومجموعة من أبناء القطيف المخلصين وتم تعيينه في ١٤ صفر عام ١٣٩٥هـ، مشيراً إلى أن “الخطي” كان مسانداً للقاضي الشيخ علي الجشي عندما كان مساعداً له، ولم يشغله القضاء عن عاداته بزيارة الناس والدور الاجتماعي وتقبل سكان أبناء القطيف.

وواصل حديثه: “الشيخ عبد الحميد (قدس سره) تميز ومنذ صغره بالملكة الشعرية والأدبية وله العديد من الدواوين الشعرية والمؤلفات الأدبية وله العديد من المخطوطات الأدبية المطبوعة وهي من وحي الثلاثين واللحن الحزين ومن كل حقل زهرة وخاطرات الخطي ومعركة النور مع الظلام، وشارك في كتاباته بمجلات أدبية لنشر شعره والنقد الهادف لما يقرأ ومن هذه المجلات: العرفان والجزيرة والاعتدال وصوت البحرين، كما له شروحات كثيرة في البلاغة بقلمه فهو يوضح الفكرة ويُناقشها ويعززها بالشعر”.

وأردف الشيخ زكي الخنيزي: “إن سماحة العلامة الشيخ عبدالحميد الخنيزي الخطي (قدس سره) أول من طالب بافتتاح جامعة بالقطيف وعدم الاغتراب للدراسة بعيداً عن القطيف، فهو من عشقه اللامحدود للقطيف كان يسعى للبحث الدائم لقضاء حاجات أهلها وتسهيل أمورهم، فهو أبو القطيف الحنون والصوت المعبر عن الآمال والآلام ويشيد بالقطيف بجميع المناسبات ومن حبه للقطيف لقب نفسه بـ الخطي”.

ونوه بأن العلامة الخطي (قدس سره) كان يمارس عمله القضائي في محكمة الأوقاف بالقطيف صباحاً وفي الظهر يسعى لقضاء حاجات الناس وعصراً يجلس بين الكتاب والأدباء في بيوت مختلفة من بيوت أقاربه ومعارفه، ويعقد مجلسه الليلي الذي يضم جميع الأطياف للمناقشة وما يدور من حديث الساعة.

مكانته
وأضاف: “لقد حظي العلامة الخطي (قدس سره) بمكانة عالية لأمير الشرقية محمد بن فهد آل سعود وأعطاه عناية ورعاية تامة، وكذلك كان مدير فرع وزارة العدل سلمان الحاجي يتردد كثيراً لزيارة الخطي (قدس سره) ويعرض عليه بعض القرارات الشرعية ويُعجب بصياغته لإعجابه به وبأحاديثه”.

وفاته
توفي في ١٤ من شهر محرم ١٤٢٢هـ، بعد معاناة من المرض، وشيّع جثمانه الكثير من أهالي القطيف والأحساء وتم عمل تأبين له في قم المقدسة، فقد أخفى الخطي حقيقة مرضه وجعل عينه عنوانًا للشكوى.

وعلق الشيخ زكي الخنيزي على وفاة الخطي (قدس سره) قائلاً: “لقد فقدت والدي وعمري سنة ونصف السنة وكان “الخطي” بالنسبة لي الأب العطوف والأخ والصديق وشعوري صعب لا يوصف”.

وتابع: “لقد اختلفت المحكمة الجعفرية بعد موت العلامة الخطي (قدس سره)”، وقد عقب العلامة السيد منير الخباز بعد موت الخطي قائلاً: “ملك على عرش القضاء مهيمناً وبغيره مازال ذاك المنصب”، وكذلك، أبدى سمو الأمير محمد بن فهد أسفه لرحيل الخطي (قدس سره) عند مجيئه لتقديم العزاء قائلاً: “من لنا بعد فقد العلامة الخطي في علمه ودينه فأنا لا أعتبره رجل دين فقط بل هو صمام الأمان وأب لنا ولن يصبح للقضاء بعد الخطي هيبة وفعالية فقد انتهت بعد موته”.


error: المحتوي محمي