حينما عادوا فسقة من الغرب

يمشون بالكلاب، ودون حجاب، وبما يسمى ملابس والحق أنها أبعد من أن تكون كذلك، يرقصون، يختلطون ببعضهم في جو مثير، ثم ماذا؟ ثم هل بعد هذا الفسق فسق؟ هل بعد هذا الانحلال انحلال؟ ليت الموت أدركنا ولم نر ذلك، كل هذه الجمل التي تتردد كثيرا بين شرائح أكثر تمسكا بتعاليم دينها وبما ورثته من آبائها وأجدادها مما يسمى بالأصول، كل هذه الجمل تعبر برأي أصحابها عن درجة كبيرة من الحنق مما تعتقده فقدانا لهوية المجتمع المتأدب بالأخلاق الفاضلة والصفات الحسنة بحيث حق أن ترثي المجتمع الفاضل وتأسى لما وصل له من شتات.

هناك سؤال مطروح في علم التسويق يقول: كيف تصبح بائعا ناجحا؟ هناك أركان مهمة لهذه الوظيفة، أولها معرفة الجمهور ودراسته، دراسة ذوقه، أسلوبه، قناعاته، ما يعجبه وما ينفره، ما يستظرفه وما يستقبحه، وثانيا معرفة المنتج محل البيع، بحيث يستطيع البائع أن يمنح المشتري إجابات مقنعة للكثير من الأسئلة التي قد يباغته بها، وهكذا يستطيع أن يقنعه أن الكثير مما يُعتقد أنها نقاط ضعف في السلعة هي في حقيقتها على عكس ذلك، وثالثا وهو الأهم أن يمتلك ذلك الحب لجمهوره، ذلك الحب الذي يجعله يحترمه ويقدره ويمنحه العاطفة التي تجعل حديثه معه نافذا إلى القلب، مؤثرا على المشاعر، هذه الصفات الثلاث الأهم ومعها جملة من صفات التسويق الناجح بدرجات أقل تجعل البائع يحظى بدرجات عالية من ثقة الجمهور في شخصه أولا وفي سلعته، حينذاك يمكن أن يصل لدرجات متقدمة في تصنيفه كبائع ناجح من خلال تحقيق مبيعات مرتفعة، الحق أن مسوقي الأخلاق والقيم هم كذلك باعة حقيقيون لهذه السلع، ومثلما يمكن لسلعهم أن تحقق الرواج الذي يسعون إليه، يمكن كذلك بعدم أهليتهم أن يحققوا العكس تماما، هكذا يمكن لمسوق الأخلاق أن يذيع محاضرة أخلاقية على شاشة تلفزيونية يشاهده فيها الملايين دون أن يفهم أن ما هو مقنع لشريحة صغيرة يعيش بين ظهرانيها هو مورد تهكم وسخرية شرائح كثيرة في هذا العالم، وما هو محل استظراف بضعة أفراد يجلسون تحت منبره هو مورد تذمر الملايين في هذا العالم، كل ذلك كان يمكن أن يتفاداه لو أنه عرف شريحة جمهوره وخاطبها فقط دون أن يمنح نفسه لقب «بائع إنترناشيونال» وأذاع منطقه في كل أنحاء العالم، وهكذا يمكن لهذا المسوق أن يشتم المشترين ويصفهم بالأغبياء الذين لا يفقهون جمال سلعته الأخلاقية وأفضليتها على ما سواها، ثم يأسى عليهم حينما يشترون من غيره، والحق أنه أحد أسباب ذلك، كما يمكن لهذا المسوق الذي يفتقد حب الجمهور المستهدف أن يجعل حديثه فارغا من مشاعر الحب للمشترين، بحيث يتكون حاجز نفسي في قلوبهم يصدهم عنه، كل تلك الصفات تجعل حقيقة مسوق الأخلاق مسوقا للرذائل من حيث لا يدرك، ليصبح معول هدم حقيقي لمنظومة الأخلاق في المجتمع، وهو يظن أنه يحسن صنعا.

حينما لا يفقه بائع الأخلاق والقيم كيف يصبح بائعا محترفا، سواء كان أحد والدين، أو معلما أو واعظا، فإن الكثير من الشباب والشابات يمكن أن تعاد صياغة شخصياتهم حالما يبتعدون لبضع أمتار عن مجتمعهم، هذا المربي في حقيقته هو من يستحق التربية، هو من يستحق الإرشاد، هو من ينبغي أن يتعلم كيف يحسن الخطاب ويؤثر على مستمعيه، وحينما لا يلاقي التربية المناسبة، يمكن كثيرا أن نشاهد الكثير مما ينهى عنه ينتشر بعد محاضراته بأكثر مما سبق.


المصدر: آراء سعودية



error: المحتوي محمي