قبل الشروع في الحديث عن المفرش لا بأس من توضيح ما تم نشره تحت عنوان “رحل شيخ النواخذة…” في القطيف اليوم بتاريخ 6 أكتوبر 2020م حينما انتقل الوجيه المرحوم سعيد مهدي آل سليس أبو عبدالله إلى الرفيق الأعلى. فقد اتصل بي أكثر من صديق مؤكداً أن المرحوم دلاّل وليس نوخذة! .وقد أوضحت لهم ردي ولذا طالبوني بالكتابة عن مفرش السمك لأهميته الاقتصادية والتاريخية في حياة الناس.
معلوم أن لقب النوخذة يطلق على قائد اللنش لصيد الأسماك والروبيان أو اللؤلؤ أيام الغوص -رحم الله أجدادنا الماضين- وهو أعلى رتبة في الهرم الإداري. وتسمية المرحوم آل سليس بالنوخذة فهي تسمية مجازية، مع العلم أن سعيد آل سليس كان تحت ملكه عدة لنشات في ذلك الوقت الذي كنت أعمل معه فيه في المفرش. كما أنني طوال العشرين سنة خدمة في المؤسسة كان قادة النواخذة الكبار من الإماراتيين مثل مرموم والرميثي وأبو الهول أو نواخذية الجبيل مثل البوعينين والمسحل وغيرهما فقد كانوا ينادون المرحوم بالنوخذة إكراماً وتقديراً لشأنه ويرون مناداته بالدلال أو الجزاف غير لائقة أدبياً، لأن كلمة الفصل في المفرش هي للنوخذة المرحوم أبو عبدالله آل سليس.
من المؤكد أن مفرش السمك بالقطيف من أكبر الأسواق في الخليج العربي من حيث كمية الأسماك التي ترده، كسفن الصيد العملاقة لأهالي الجبيل ويتصدرهم (مبارك البوعينين وسعود المسحل وسعود النجار وحسن وعلي العميري وأبوسلمى) كذلك ترد إلى السوق كميات السمك المميز من موردي دارين العزيزة أمثال (النوخذة لحدان الفيحان وسعد بن صالح العميري ومحمد عبدالله العبد اللطيف وخليل الدواذي وأحمد سلطان العبدالرحيم). أما نواخذية تاروت وسنابس فصيدهم من الأسماك مرغوب بشدة محلياً كأمثال (حسن عيسى أبو حسين وإخوانه وعبدالنبي لحليو وجاسم المحاسنة وإخوانه وجاسم يعقوب وإخوانه وعيسى الصفار ومن نواخذية القطيف أمثال سلمان الماجد، (المايد بلهجة سنابس الحبيبة) ورضا آل عيسى وإخوانه وعبدالرسول آل سالم وأبنائه وعلي وحسن أبناء حبيب سكير وحسن عبدالعظيم آل سالم. وهؤلاء يملكون أكثر من لنش ويعود الفضل في ذلك إلى قوتهم المالية وإلى الدعم المالي القوي من الدولة عبر قرض البنك الزراعي لكل لنش بالإضافة إلى القروض التي يحصل عليها البعض من صاحب المفرش الذي ينزل السمك عنده أمثال النوخذة اسليس أو أكفير وسنتكلم عن ذلك لاحقاً. كما لا ننسى السيارات المتلاحقة القادمة من سلطنة عمان وأسماكهم المعروفة. وللحق أقول بورود أسماك عمان يتعدل أسعار السمك لصالح المواطن فيتمكن الفقير قبل الغني من الشراء. وهذا يظهر جلياً حينما لا ترد أسماك من السلطنة لظروف البحر أو الجمارك ترى الأسعار تصعد بشكل كبير بسبب اندفاع الشركات والمؤسسات لشراء أسماك البلد المتوفرة بدلاً من أسماك عمان.
ولا ننسى الكميات الرهيبة (من 450 إلى 700 من؛ أي ما يعادل 7 إلى 11 طنًا) المن = 16 كغم. والتي يستوردها الشريكان “الحوار والدار” المرحوم عبدالنبي الحوار أبو زكي ومكي الدار أبو حسين. حيث يستوردان الأسماك من دولة الإمارات العربية المتحدة بمعدل ثلاث إلى أربع مرات في الشهر تقريباً حتى تصل مبيعاتهم إلى 3 و5 فواتير ويتعب كثيراً الكاتب الذي يعد هذه الفواتير يدوياً، وطبعاً تنقل هذه الأسماك في شاحنة ثلاجة (تريللا) ويحضر الأسماك في بانات (صناديق بلاستيكة خاصة بالأسماك) بطريقة إحترافية تحفظ السمك مثلجاً وطازجاً. وكان يختار شراء الأنواع المطلوبة والمرغوبة لمفرش السمك ولذلك يهب مندوبو الشركات والمؤسسات وكذلك بائعي المفرد من أبناء البلد لشراء السمك الطازج المضمون وكان الحوار أو الدار هما من يقومان بتسجيل المبيعات على عملاء النوخذة آل سليس وليس كاتباً من مؤسسة اسليس، ولهذا لهم دفتر تسجيل خاص باسمهما.
لهذا ترد السوق كميات كبيرة جداً وبالأطنان تتوزع على المفارش “مفرش اسليس، ومفرش أكفير، ومفرش خزعل وبعد وفاته تحول لمفرش اسليس، ومفرش الشركة السعودية للأسماك الذي تحول إلى مفرش أحمد المعلم أبو حسن وآخر مفرش أضيف قريباً قبل سنوات للحاج علي خريدة أبو حسين من أهالي سيهات العزيزة. ومتوقع زيادة الدلالين والمفارش عند نقل السوق إلى الموقع الجديد عند شاطئ المجيدية بالقطيف – إن شاء الله تعالى.
ولكي نطلع على أسواق السمك في دول الخليج ونعرف حجم عملنا في مفرش السمك بالقطيف كلفنا المرحوم اسليس بأخذ جولة على تلك الأسواق بالإضافة إلى سوق جدة. صحيح وجدنا أسواقاً كبيرة ومنظمة وبها خدمات ومواقف كثيرة ومطلة على البحر مباشرة مثل سوق الشارقة وجدة لكن الكميات قليلة جداً بل لا تقارن أصلاً. لهذا تعتبر السوق مركزاً تجارياً كبيراً جداً ونافعاً لمحافظة القطيف وأهلها حيث يستوعب أعداداً كبيرة من اليد العاملة ويسترزق منه عوائل كثيرة.
صحيح مساحة السوق صغيرة جداً قياساً بدوره الإقليمي ولكن الصحيح أيضاً أنه لم يحظ بالعناية والاهتمام من قبل إدارات البلدية السابقة سوى بالنزر اليسير جداً لا يرقى إلى ما وصلت إليه محافظات مملكتنا العزيزة من تطور في التنمية وفي البنية التحتية.
نعم أتذكر؛ كانت السيارات التي تحمل الأسماك تصعد إلى سطح السوق وتفرغ حمولتها عن طريق الوزانة وتنزل وهكذا بقية السيارات. وعندما تمت إعادة تأهيل السوق في عام (1410ـ 1411هـ) نقلت السوق بشكل مؤقت إلى سوق الغنم عند مدخل بلدة التوبي، قامت البلدية حينها بتبليط أرضيات السوق وقسمتها إلى: مفرشين للمرحوم اسليس ومفرشين لأكفير ومفرش لخزعل ومفرش لشركة الأسماك وهو أول مرة يكون لهم مفرش (مساحة المفرش الواحد نحو 120 ـ 150م²) تقريباً. وفرضت على كل مفرش رسوماً سنوية ومن قبل هذا لم تكن هناك رسوم. وأصبح من ذلك الوقت تقف السيارات المحملة بالسمك بمحاذاة السوق وتفرغ حمولتها من الأسماك لكن ظلت الإنارة ضعيفة جداً مما حدا بالدلالين لوضع كشافات عادية وبسيطة، بينما كان ينبغي أن تضع البلدية كشافات مثل ملاعب الرياضة بحيث تحول الليل إلى نهار من الإضاءة والوضوح -آمل أن تراعي ذلك في السوق الجديد- واكتفت للأسف الشديد البلدية بتنظيف وتعقيم السوق وأخذ الرسوم ولم تفكر بنقل السوق من مكانها إلا متأخراً جداً وذلك بعد المعاناة والشكاوى من المواطنين من كثرة حركة السيارات الكبيرة ومن الروائح المزعجة والبيئة السيئة وبالذات فترة موسم الروبيان.
من المفترض أن تضع بلدية محافظة القطيف هذه السوق المهمة على رأس أولوياتها في اختيار الموقع من حيث المكان والمساحة وتأمين المستلزمات المناسبة لها. لكننا نعوّل كثيراً على الرئيس الحالي المهندس محمد عبدالمحسن الحسيني الذي فعلاً سعى ويسعى منذ توليه المسؤولية في نقل السوق من مكانها الحالي غير اللائق إلى الموقع الجديد وها نحن نرى الآن بشائر العمل بقيام البلدية مشكورة بتجهيز مداخل ومخارج السوق الجديد واضعة في الاعتبار الحركة المرورية الكثيفة المتوقعة عند نقل السوق وفي ذات الوقت مكلفة المقاول الذي رسى عليه مشروع إكمال السوق بتسليم المشروع في الأشهر القليلة القادمة.
ننتهز هذه الفرصة ونحن نتحدث عن مفرش السمك بأن نقدم الشكر الجزيل والثناء الجميل لهذا الشاب اليافع والوطني المخلص سعادة رئيس بلديتنا العزيزة أبو عبدالمحسن الذي منذ أن وطئت رجله المباركة البلدية وهو يعمل بجد واجتهاد ليلاً ونهارًا وبلا ملل بل حول البلدية وأقسامها إلى خلية نحل من النشاط والعطاء والنقاشات والاجتماعات فأصبح المواطن يرى كل يوم شيئاً جديداً على الأرض من عطاءات هذا الرئيس المحبوب الذي خصص يومين في الأسبوع لمقابلة الجمهور والاستماع لشكواهم ومعالجة تلك الشكاوى -آمل أن أوفق بتسليط الضوء على منجزات هذا الرئيس المجد في وقت لاحق- نسأل الله له التوفيق والسداد وأن يجعل محافظتنا القطيف كبقية محافظات مملكتنا الغالية من الرقي والتقدم في التنمية المنشودة.
• لا يزال للكلام بقية عن مفرش السمك فتابعونا.