ريحة راتب!

كم شخصًا منا ينتظر مجيء منتصف هذه الليلة؟!
نعم، إنها ليلة نزول الرواتب!

كيف لي أن أجعل من هذه الكلمات نارًا أو نورًا تضيء الدرب؟
هل من الميسور لمن يريد الكتابة أن يدخل عقول القارئين فيؤثر فيهم كما يتأثر هو من المواقف الحياتية فينقل تجربته لهم في قالب كتابي؟

لن أنفك عنكم، فأنا معنيٌّ بالمقال مثلكم، ولن أنسلخ من واقعي وواقع الكثير من الناس متوسطة أو ذوي الدخل المحدود التي يعاني اقتصادها من الخلل مما يضطر الكثير منهم للاستدانة من البنوك أو الأفراد واستقطاع ذلك من الراتب فور نزوله ؛ ولذا تراهم يترقبون نزول الراتب بكل شغف حتى تتقطع أوصاله وتنفكّ حباله ولعلهم يحظون بالقليل منه !
أين يكمن الخلل؟

لا يختلف عاقلان أن لدينا أنماطًا استهلاكية سلبية وإسفافًا في اقتناء الكماليات وتبذيرًا في المال عندما يكون في أيدينا، وهذا التخبط نتيجة طبيعية لغياب التخطيط ووضع ميزانية تناسب أوضاعنا وبالبساطة ” مد رجلك على قد لحافك ” . وهذا التبذير واستنزاف المادة له سبب آخر غير غياب التخطيط وهو ” الهياط ” والتباهي غير المبرر فكما أن فلانًا فعل ذلك عليّ أن أفعل مثله ، ودونكم الأسواق والمجمّعات تكاد لا تخلو من الزبائن في مبالغة واضحة لاقتناء الملابس والكماليات الزائفة متناسين أن ” الادخار ” والاقتصاد هو خط الدفاع الأول عند الأزمات والحالات الطارئة التي قد تعتري الأسرة وكما ورد عن أمير المؤمنين علي عليه السلام :” قِوام العيش حسن التقدير، ومِلاكه حسن التدبير ” وقال أيضًا عليه السلام: ” الاقتصاد نصف المؤونة ” .

لا يكفي أن نعيش حالة الاقتصاد وعدم البذخ والتبذير بل علينا أن نزرع هذه الثقافة في أبنائنا ؛ تحسبًا لحالات الطوارئ في المستقبل ففي الحياة حالات شدة ورخاء ونزول وارتقاء والأسرة الناجحة هي تلك التي يجلس فيها الزوجان برفقة الأبناء للتخطيط ونشر الوعي بينهم ، وعلى إثر ذلك توضع ميزانية وقوانين مالية يخضع لها الجميع فلا إسراف في الكهرباء والماء، ولا مبالغة في استخدام الهواتف، ولا تباهي وتماهي من أجل حياة أسرية كريمة.

ثمة شيء يغفل عنه كثيرون وهو تأثير لقمة الحرام في الحصول على توفيقات الله : ” فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ” فالتأكد من مصادر الطعام وحليته أمر باعث لرضا الله عز وجل عنك ، والحصول على توفيقاته وتسديده وإذا كان بعض الناس يتشدق بحلية الطعام ظاهرًا فأثره الواقعي والوضعي لا يزول وهؤلاء ممن يحرمون هذا التسديد والتوفيق الإلهي في تدبير أمور معاشهم .. !

لا نتشدد كثيرًا في الأمر ونقول إنه من حق الأسر التي تعيش في بحبوحة مادية الاستمتاع بحياتها بالترفيه والسفر وممارسة ما يشتهون ضمن الأطر الشرعية ” وأما بنعمة ربك فحدث “.


error: المحتوي محمي