
أكد عضو مجلس الشورى السابق الكاتب والإعلامي محمد رضا نصر الله أن تقليب صفحات التاريخ الاجتماعي والعلمي لمنطقة تاريخية مُهمة يمتد عمقها إلى آلاف السنين حتى العصر الحديث، مدعاةً لاهتمام الباحثين بالكشف عن المسكوت عنه وسد الفجوات، في هذا التاريخ لمنطقة كانت مصدرًا من مصادر الإشعاع الفقهي والأدبي والشعري، في مراحل مختلفة، حيث ضمت القطيف علماء أساطين في علومهم الفقهية وشعراء متميزين وكذلك واجهات سياسية واجتماعية، لعبت أدواراً تاريخية على صعيد الشأن العام، داعياً الباحثين من جميع الأعمار في أقسام التاريخ في الجامعات وغيرها للتنقيب في تاريخ القطيف الاجتماعي والثقافي.
وبدأ الإعلامي محمد رضا نصر الله بالحديث في برنامج (قل كيف عاش) الذي خصصت حلقته الأخيرة للحديث عن الزعيم الوطني عبدالله بن نصر الله ١٣١١ – ١٣٧٤ هجرية، قائلاً: “سوف أتحدث عن شخصية وطنية بالوثائق، بعيداً عن التمركز الذاتي أو التلوين العاطفي كونه جدي. فهذا العلم الوجيه عبدالله بن نصر الله، لم يوفق أحد من الباحثين حتى الآن في الكشف عن سيرته الضخمة، بعد رحيله قبل ٦٨ عاماً، ولكن ما بقي في أرشيفه من مراسلات مع الملك عبدالعزيز وكذلك مراسلاته مع المراجع الدينية والشخصيات الاجتماعية خارج القطيف، لعلها تكشف النقاب عن بعض المسكوت عنه في تاريخنا الاجتماعي، إذ أنني أكاد أجزم بأنه الوحيد الذي توجد في خزانته رسائل مع الملك عبد العزيز، ومنها كذلك رسائل من مراجع النجف الأشرف (الشيخ محمد رضا آل ياسين والسيد محسن الحكيم والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء). وكذلك علماء القطيف المجتهدين الأعلام (الشيخين الخنيزيين والشيخ عبدالله المعتوق والسيد ماجد العوامي والشيخ حسين بن الشبخ علي القديحي مؤلف كتاب أنوار البدرين وغيرهم).
سيرته ونشأته
ولد عبدالله بن نصر الله بن مهدي بن أحمد بن محمد بن نصر الله ابن أبو السعود في عام ١٣١١هـ، وفي عمر الخامسة عشرة رافق والدته نصرة بنت محمد بن أحمد بن بن نصرالله في زيارة العتبات المقدسة في العراق، وقد تولت تربيته تربية صالحة، وغرست فيه حب الخير، والمبادئ الدينية، وحب علماء الدين، وتقديرهم، كما ربته على حب الناس وخدمة من يحتاج إلى خدمته من أبناء وطنه ومجتمعه. ولقد أثمرت هذه التربية؛ بعد وفاة والده الشيخ نصر الله سنة ١٣٢٢، إذ أصبح على صلة وطيدة برجال القطيف من علماء وأعيان.
لقاؤه مع الملك عبد العزيز
سافر “عبدالله بن نصر الله” إلى الأحساء للقاء الملك عبدالعزيز، وهو في عمر الثلاثين عاماً، وذلك في عام ١٣٣١ وجرى بينهما حوار. أعجب على أثره الملك برزانته وحكمته، فولاه وكالة بيت المال في القطيف حتى عام ١٣٤٩، وفي عام ١٣٥٨ أعيد إلى وظيفته كمدير لأملاك الدولة بالقطيف إضافة إلى رئاسته لبلدية القطيف سنة ١٣٧٠ هجرية وقبلها كان رئيساً للمجلس البلدي، إضافة إلى كونه معتمد الملك عبدالعزيز في القطيف حتى وفاته عام ١٣٧٤.
حب السيد ماجد لنصر الله
ذكر المثقف الراحل السيد علي العوامي في مقاله عن ابن نصر الله المنشور في عدد من المجلات قائلًا:
لقد رأيت عبد الله نصر الله يقوم بزيارة السيد ماجد في أول شهر رمضان مهنئاً إياه بشهر الصيام، كما كان يزوره في عيدي الفطر والأضحى مهنئاً، كما أن السيد ماجد كان، في كل عام من شهر رمضان، يقوم بزيارته في بيته على الرغم من أن السيد ماجد كان في سن متقدمة، وكان يشكو من ألم الركبة، ومع ذلك فقد كان يتجشم ويصعد الدرج حتى الدور الثالث حيث كان مجلس عبد الله نصر الله، تقديراً لمكانته الاجتماعية ودوره في خدمة المجتمع.
تأييده للجشي
ولأن عبد الله بن نصر الله كان معروفاً لدى العلماء المراجع في النجف الأشرف – العراق، وقد وصلهم صيت سمعته الحسنة، فإنهم خاطبوه، بعدما توفي السيد ماجد العوامي سنة ١٣٦٧ هجرية، وكان آخر العلماء المجتهدين الموجودين في القطيف، فقد رأى المراجع الكبار أن القطيف تحتاج لعالم مجتهد، يتولى منصب القضاء. وكان الشيخ علي الجشي هناك في النجف يواصل دراسته للعلوم الدينية، وقد بلغ مرتبة الاجتهاد، فطلب منه المراجع أن ينزل إلى القطيف لأنها بحاجة إليه، فاستجاب الشيخ الجشي، وعندها كتب كل من السيد محسن الحكيم، والشيخ محمد رضا آل ياسين رسائل مشتركة لعبدالله بن نصر الله، وأخرى منفردة – باعتباره زعيم البلاد – أن يبذل جهده لدعم وتأييد الشيخ علي الجشي، مما دعا ابن نصر الله لمساندة الجشي، فطلب من الملك عبدالعزيز ذلك، في رسالة منه لتعيينه قاضياً في القطيف، فاستجاب له الملك عبدالعزيز.
فترة الشيخ علي الجشي
بعد وفاة الشيخ علي الخنيزي أبو عبدالكريم سنة ١٣٦٢ تولى القضاء بعده عمه الشيخ علي الخنيزي أبو حسن لمدة عام واحد، حيث توفي سنة ١٣٦٣ فكلف السيد ماجد العوامي بوصفه مجتهداً، الشيخ محمد علي الخنيزي لتولي القضاء تحت إشرافه؛ لذلك ألزم مراجع النجف الشيخ علي الجشي بالنزول إلى القطيف لشغر المكان، الذي خلى بعد وفاة السيد ماجد العوامي؛ لذلك قام الجشي بدوره في الحكم الشرعي في القضايا المتنازع عليها. بين التخاصمين، كما أنه راح يبحث في صلاحية ولاية الأوقاف لمن يستوفي شروطها، مما جعله يواجه موجة عاتية من رفض الكثيرين تسليم الأوقاف إليه، فالتزم عبدالله بن نصر الله شرعًا بمساندته.
ضريبة الجهاد المثني
في عام ١٣٥٠هـ، ومع آثار الحرب العالمية الأولى وتبعاتها الاقتصادية، صدر أمر بمضاعفة ضريبة الجهاد، أو ما سمي آنذاك بـ(الجهاد المثني)، أي المضاعف، وكان الباعث على هذه الخطوة هو حاجة الملك عبد العزيز للمال إثر فتحه مناطق أخرى، مما ترك بعض الآثار الاجتماعية، فتوجه معتمده في القطيف عبدالله بن نصر الله إلى الرياض لمقابلة الملك عبدالعزيز ليوضح له حقيقةً الوضع ، مطالباً إياه أن يعالج الأمر بما عرف عنه من حنكة وبُعد نظر، وقد وقع الكتاب حول هذا الأمر – بالإضافة إلى الشيخ علي الخنيزي أبو عبدالكريم- أعيان البلاد وشخصياتها، وفي طليعتهم عبدالله نصر الله، ولقد تفهم الملك عبد العزيز الموضوع، فأمر بإسقاط هذه الضريبة عن مواطني القطيف لمدة سنتين، وقد أرسل الشيخ الخنيزي رسالة إلى عبدالله بن نصر الله يشكره فيها على نجاح مسعاه لدى الملك في التخفيف عن المواطنين.
حول وثيقة الملك عبدالعزيز
وتطرق “محمد رضا نصر الله” إلى الحديث عما توهمه البعض من وجود وثيقة تاريخية عبارة عن رسالة مرسلة من الملك عبدالعزيز إلى الشيخ علي الخنيزي أبو عبدالكريم ومعه السيد ماجد العوامي وأخوه السيد حسين وعبدالله بن نصر الله وعبدالله بن راشد الغانم ومهدي الجشي وحسن الشماسي و(الشيخ) منصور بن الزاير، فقد نفى محمد رضا نصر الله ذلك، مؤكداً أن ما أرسله الملك عبدالعزيز وقتذاك لجنة مكونة من ثلاثة أشخاص للاستماع إلى وجهة نظر المذكورين حول أحداث العوامية، مختاراً لها أبرع مستشاريه، مراعاة لخصوصية القطيف الثقافية، فقد اختار الملك عبدالعزيز لهذه المهمة، وحافظ وهبة المصري الأصل، وفؤاد حمزة اللبناني الأصل، ومعهم محمد العجاجي وهو من شخصيات الإحساء البارزين، برسالة مؤرخة بأول شوال عام ١٣٤٨ هجرية موقعة منهم – وهي من وثائق الجد عبدالله بن نصر الله – وقد تلقى رسالة من الملك عبدالعزيز، يشكره فيها على انتهاء المشكلة، بعد اجتماع موفديه بعلماء الدين والأعيان في “الدرويشية ” وهي مقر الإمارة في القطيف.
القضاء في العهد العثماني
قال “نصر الله”: من كان قاضياً – وقتذاك – فإنه يمارس القضاء بعفوية في منزله. وطوال الفترة التي سبقت دخول الملك عبدالعزيز -رحمه الله- كان من يمارس القضاء في العهد العثماني في مركز القطيف (المدينة) هو الشيخ ناصر بن نصر الله، ثم أعقبه ابنه الشيخ عبدالله بن الشيخ ناصر بن أحمد بن نصر الله أبو السعود، الذي كان وكيلاً لكبار علماء عصره، كآية الله الشيخ محمد طه نجف، والعلامة الشيخ محمد حسين الكاظمي، فكان الشيخ عبدالله يقضي بين الناس، وعُرف عنه أنه كان يجنب المتخاصمين حلف اليمين، لما في ذلك من آثار دنيوية وأخروية على الحالف، ويدفع باتجاه الصلح بين المتخاصمين، وعلى أثر مجيء الشيخ علي أبو عبدالكريم الخنيزي من النجف حاملاً إجازة الاجتهاد، ترك الشيخ عبدالله بن الشيخ ناصر بن نصر الله منصب القضاء طواعية بل بإصرار منه، تاركاً المجال كله للقاضي المجتهد الشيخ الخنيزي، وحثّ الناس على الذهاب للتقاضي عنده، بدلاً منه.. هذا والشيخ نصر الله هو أحد معلمي الشيخ علي الخنيزي أبو حسن، المجتهد الكبير فيما بعد”.
عطفه على الفقراء
كان عبدالله نصر الله يحمل قلباً عطوفاً خاصة على رقيقي الحال، فكان يسمح لهم باستخدام بعض أراضيه، في إقامة مساكن لهم أو استخدامها لتدر عليهم ما يسد رمقهم، في ذلك الزمن الصعب، فهناك في وثائقه نصيب منها حول هذا الجانب الإحساني في سيرته العطرة. ومن خلقه الغالي أنه كان يقابل السيئة بالحسنة، رغم تعرضه لكثير من المرارة جراء المنافسة غير السليمة، على الزعامة الاجتماعية، وقد تحملها بأخلاق عالية وحس ديني فائق.
ومع شخصيته الاجتماعية والسياسية البالغة في الدولة، فإنه كان لا يتردد في قراءة مقتل الإمام الحسين عليه السلام في ليلة العاشر من محرم، فكان يقرأوه بنفسه في كل سنة، حيث يترك عميد الخطباء القطيفيين الشيخ ميرزا حسين البريكي منبره للحاج عبدالله بن نصر الله وهو يسرد المقتل الحسيني بصوت شجي مؤثر يرحمه الله.
فيديو
وثائق وصور
تنويه: مصدر الوثائق والصور: الكاتب والإعلامي محمد رضا نصرالله.