أخطاء طبية.. وفواتيرها الباهظة

للناس أن تستمع وتستنتج ما تريد، ولكن هناك قواعد عامة للتثبت وتأكيد ما نسمع أو تثبيت استنتاجاتنا.

كثيراً ما تطالعنا وسائل الإعلام وقنوات التواصل بأخبار تتحدث عن أخطاء وتجاوزات في عالم الطب والدواء، يفترض أنها تضم عقليات قادرة ومشهودًا لها بالتفوق والممارسات الناجحة حتى يُسْمح لها بمزاولة واجبها في هذا المضمار، لأن أي خطأ يمكن أن يكون له عواقب كارثية على المريض.

فالمرض محنة نمر بها، إن اقتصرت نظرتنا إليه على ذلك، أو هو وسيلة تساعدنا بها الحياة في الاستمرار والبقاء. وفي الحالتين، فإن المرض سجل لتاريخ الجنس البشري يحكي لنا قصة كل وباء وكل خطر، استطاع أسلافنا أن يحيوا عبره.

لكي نفهم المرض، نحتاج أن نغيِّر نظرتنا إليه. فبدلًا من عدّه خطأ يقع علينا عبء إصلاحه، علينا أن ننظر نظرة أكثر عمقاً ونسأل لماذا حدث ذلك الخطأ وظهر هذا المرض من الأساس، وحين نفعل، فإننا سنحصل على إجابة تعمّق فهمنا، وتثير دهشتنا، وتعطينا فرصة لحياة أطول وأكثر صحة.

اليوم وتحت وطأت الموجات الوبائية التي اكتسحت عالمنا المعاصر وحصدت مئات الآلاف من الأرواح، ومحاولة العلماء ومراكز الأبحاث العلمية احتواء هذه الأوبئة المدمرة، التي تتطلب علاجاً سريع الفاعلية من لقاحات وقواعد صحية لمواجهة انتشار الفيروسات والحد من الوفيات، نرى اليوم ظواهر شديدة المأساوية دخلت على خط المحرمات وطالت صحة الإنسان التي أصبحت حقلاً للتجارب والأرباح المادية!

من أخطر الظواهر التي تعاني منها دول العالم ظاهرة الأخطاء الطبية، ومكمن الخطورة أنها تأتي من خلل ناتج عن انعدام الخبرة والكفاءة لدى الطبيب الممارس أو الممرض أو الفئات المساعدة، أو نتيجة القصور والتقصير، فلا مجال هنا للمخاطرة أو المجازفة، فقد يكون خطأ كهذا من الأخطاء القاتلة.

القائمون على المراكز الصحية الأشهر في أمريكا قالوا بصوت مسموع – ودون همهمة أو همس – “إن على مرضاهم أن يؤشروا على الركبة اليمنى في صباح استياقهم لغرفة العمليات حتى لا يقوم البروفيسورات العظماء بتبديل المفصل السليم في الركبة اليسرى بدلاً من المفصل المتآكل في الجهة اليمنى.

إذا كانت الأخطاء الطبية تشكل بالفعل خطرًا حقيقيًا أو مثيرًا للسخرية في أنحاء العالم، فماذا تشكل لنا نحن اليوم في مستشفياتنا التي نفخر بأنها تدار بالكوادر الوطنية، ونتباهى بأن الإنسان له جميع الحقوق الإنسانية والشرعية.

ليس من شك في أن مشكلة المشاكل التي تعانيها مهنة الطب هي موضوع الأخطاء الطبية التي بدأت تستنزف جزءًا من أفراد مجتمعنا، وأصبحت أمراً لا يمكن السكوت عنه، لقد شاعت ولوثت إنسانيتنا!

إن مما يحز في النفس ويؤُلمها جِدَّ الإيلام أن نعيش قصصًا حزينة لمعاناة أشخاص وقعوا ضحية الاستهتار الطبي، جعلتهم يعانون من آلام مبرحة ومضاعفات مزمنة أغلقت كل نوافد الحياة، وغيَّرت نظرتهم للحياة، هي حصيلة التلاعب بحياة الإنسان.

يعيش بعض أطبائنا – للأسف الشديد – ثقافة الاستهتار بالحياة، التي تسربت إلى وعينا وصبغت سلوكنا بمجموعة من التصرفات غير المسؤولة، نتوقف هنا أمام بعض الظواهر والنتائج المخيفة التي أساءت إلى الأخلاق والإنسانية:

• من الخطأ وصف دواء أو إيقافه بشكل أعمى دون تشخيص أو الكشف على المريض ومعرفة حالته الصحية، فزيارة الطبيب للمريض وتتبع حالته اليومية وفحوصه السريرية التشخيصية، وإعطاء التوصيات اللازمة، مهمة لأن لها أثرًا كبيرًا في رفع معنوياته وتخفيف معاناته وتزيد الثقة المتبادلة بين المريض والطبيب كثيراً وتسرع الشفاء.

• ضرر جسيم ناتج عن نقل الدم: ولهذا تتخذ الحيطة الشديدة عند نقل الدم إلى مريض أو جريح، والتأكد من خلوه من مسببات الأمراض كالملاريا أو التهاب الكبد الوبائي وغيرها من الملوثات، حتى لا تحدث مضاعفات خطيرة قد تودي بحياة المريض.

• وصف دواء غير موثوق: لا مجال هنا للمخاطرة أو المجازفة بوصف دواء غير موثوق، فقد يكون إجراء كهذا قاتلًا في بعض الأحيان.

• أخطاء المختبرات الطبية، الأخطاء المخبرية تؤثر فعلياً على صحة المريض، كون النتيجة المخبرية جزءًا من سلسلة من المعلومات يجمعها الطبيب المعالج عن المريض، ويقف مليّاً قبل اتخاذ القرار التشخيصي والعلاجي.. هذا الوقوف فيه دائماً فرصة للتركيز أكثر ومراجعة حثيثة للنتيجة المخبرية، كون بعضها تفتقر إلى الدقة المتناهية.

• عملية جراحية تؤدي إلى وفاة المريض أو إحداث عاهةٍ مستديمةٍ به، لذا ينصح الجراحون بأخذ الحيطة والحذر، والتأكد من التشخيص قبل الإقدام على التدخل الجراحي.

• خطر الأجهزة الطبية المستعملة: إن خطر الأجهزة الطبية المستعملة يكون في بعض الحالات كارثياً، عندما لا تكون معقمة على نحو جيد، حيث يمكن أن تحتوي على فيروسات شديدة الخطورة، وتصبح مصدر عدوى، فهي غالباً ما تكون مكمناً للميكروبات والفيروسات القادرة على التعايش فيها لفترات طويلة، وتستطيع مقاومة كثير من المطهرات، ثم تصبح بؤرة عدوى، وبدلاً من أن تكون معيناً على التشخيص والعلاج تصبح ناقلة للمرض، فصحة الإنسان تأتي في مقدمة الأولويات.

• بيئة المستشفى الناقلة للجراثيم: فقد اكتشف أن الكثير من الأمراض تنشأ من عدوى أو غزو ميكروبي خبيث – للأسف الشديد – تأتي من داخل المشافي أو المستشفيات، قد ينتج عنها مضاعفات ووفيات، ومن هنا تأتي التوصية المتكررة للمترددين بألا يمكثوا في المشافي كثيراً بلا سبب.

• الأطباء الذين يفرطون في وصف الأدوية لمرضاهم، بدافع جني أرباح مالية من الشركات المصنعة والصيادلة وهذه الممارسة اللاأخلاقية شائعة وعواقبها كارثية.

• نلوم الطبيب الذي يستخدم أقوى الأدوية، مهما يكن الدافع كالحصول على نتيجة سريعة دون النظر إلى عواقبها المستقبلية وأعراضها الجانبية.

ومداراة ما يقع فيه البعض من أخطاء، بسبب علاقات شخصية، أو بدعوى نقص الكوادر الطبية المؤهلة والموارد والإمكانات وكثرة المراجعين وأياً كانت المبررات فإن الإنسان ليس حقلاً للتجارب وإنما الممارسات الطبية تتطلب خبرات وتقنيات طبية، ودقة وعناية شديدتين.
نعم، الزحام في مستشفياتنا ومراكزنا الصحية بلغ مستواه العالي في صورة لا أعتقد أن الطبيب مهما بلغ شأنه أو إخلاصه يستطيع أن يحقق أمراض المراجعين أو يتثبت من سير عللهم.

لا نريد هنا إعطاء مبرر لمشكلة الزحام، وكذلك لا نريد التغطية على كل مخطئ، فكثرة الأخطاء الطبية دليل على التخبط. تترك علامات استفهام كثيرة معلقة، ما الذي يحدث لمن يمارسون مهنة الطب؟
لا أكاد أصدق أن هذا التخبط ظاهرة منتشرة في مستشفياتنا مع أننا في بلد معطاء.

في الواقع أن العديد من الأخطاء الطبية لا يتم الإبلاغ عنها من قبل المتخصصين في الرعاية الصحية من أجل القيام بالإجراءات اللازمة، وإشعار الجهة المعنية بعمل ملف كامل ورفعه إلى الهيئة الصحية الشرعية المتخصصة؛ بسبب الخوف من العقاب وربما يتم إخفاؤها من قبل المرضى وعائلاتهم للشعور بأن التبليغ عنها ربما يكون دون طائل.

ليت الأطباء يدركون قيمة هذا العمل الإنساني، وإتقانه والرضا والتمتع فيه، وهي رهن كفاءتهم وجهودهم العلمية والعملية، فالمريض يراوده الأمل في الشفاء حينما يشخص حالته الطبيب ويكتب له العلاج المناسب، حينها يدعو له المريض، وترتفع أسهمه عند الله سبحانه وتعالى، والسمعة الطيبة دليل على النجاح، هي أجواء يكتمل فيها الضمير الخلقي ويشعر الطبيب برضا الله وراحة الصمير.

نقف هنا متأملين أمام هذه الأخطاء والتجاوزات المروعة من تخريب أعضاء الجسد، بدلاً من شحنه بحقن العافية، لا بسموم الأخطاء الطبية.

ختاماً نشير إلى أننا لم نكن في هذه المقالة بصدد التقليل من كفاءة وجهود أطبائنا المخلصين، فهم أصحاب مبادئ وقيم لا أظن فيهم إلا الخير، بل كان هدفنا لفت النظر إلى ظاهرة بالغة الأهمية بدأت تفرض ذاتها بإلحاح على مجتمعنا.

منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات


error: المحتوي محمي